تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية
منذ بداية العام الجاري، شهدت الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، تصعيدًا في الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم. تشمل هذه الانتهاكات جرائم قتل، تدمير الممتلكات العامة والخاصة، اعتقالات تعسفية، تهديدات، وغيرها من الانتهاكات.
الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية
وفقًا لتقارير وزارة الخارجية الأمريكية والجمعية العامة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، فإن هناك تقارير موثوقة تشير إلى انتهاكات إسرائيلية واسعة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، وهي انتهاكات يمكن اعتبار بعضها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
تشمل هذه الانتهاكات عمليات قتل عشوائي أو غير قانوني، واعتقالات تعسفية، بالإضافة إلى القيود المفروضة على الفلسطينيين المقيمين في القدس. كما تشمل التدخلات غير القانونية في الخصوصية والعائلة، وتقييد حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، فضلاً عن منع الوصول إلى المسجد الأقصى في بعض الأحيان. تضاف إلى ذلك المضايقات المستمرة للمؤسسات غير الحكومية، وقمع حرية التعبير والإعلام، واستخدام العنف والترهيب ضد الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، وصفت منظمات حقوق الإنسان إسرائيل بأنها تمارس سياسة الفصل العنصري.
الحصار على قطاع غزة والجرائم المرتكبة فيه
وصف الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة بأنه يشكل عقابًا جماعيًا وينتهك القوانين الإنسانية الدولية. كما تتضمن الحملات العسكرية الإسرائيلية في غزة عمليات عدوانية مثل “الرصاص المصبوب”، التي اعتبرتها بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة هجومًا غير متناسب يهدف إلى معاقبة السكان المدنيين وتدمير القدرة الاقتصادية المحلية.
التجزئة والسيطرة على الأراضي الفلسطينية
منذ بداية الاستعمار الصهيوني، كان هناك تخطيط لتجزئة الأراضي الفلسطينية للسيطرة عليها. على سبيل المثال، في عام 1983، تم وضع “الخطة الرئيسية لتطوير السامرة ويهودا حتى عام 2010″، التي خططت لإنشاء مستوطنات يهودية مرتبطة ببعضها على حساب الأراضي الفلسطينية. وقد أُطلق على هذه الخطة “الحصار” الذي يهدف إلى عزل الفلسطينيين وحرمانهم من بناء بنية تحتية متكاملة.
جدار الفصل العنصري وأثره على الأراضي الفلسطينية
واحدة من الوظائف الرئيسية لجدار الفصل العنصري هي الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية ذات أهمية اقتصادية وزراعية، الأمر الذي يعزز عمليات الاستيطان. كان الجدار، في حال تم بناؤه بشكل مختلف، يمكن أن يشمل 313 كيلومترًا بدلاً من 790 كيلومترًا، لكن الحكومة الإسرائيلية اختارت توسيعه ليشمل المستوطنات اليهودية ويؤدي إلى عزل الفلسطينيين عن أراضيهم.
النظام القانوني المختلف في الضفة الغربية
يتميز الوضع القانوني في الضفة الغربية بعدم التماثل، حيث يخضع الفلسطينيون لقوانين عسكرية إسرائيلية في حين يخضع المستوطنون للقانون المدني الإسرائيلي. هذا التمييز بين القانون المطبق على الفلسطينيين والمستوطنين يشكل جزءًا من نظام احتلالي يسعى إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية وتسهيل استيطان الأراضي.
قيود على حركة الفلسطينيين
تمثل القيود المفروضة على الحركة في الضفة الغربية أحد أشكال الفصل العنصري بين الفلسطينيين والمستوطنين. فبينما يتمكن المستوطنون من التنقل بحرية، يواجه الفلسطينيون حواجز ونقاط تفتيش مستمرة تعيق حياتهم اليومية. وأدى ذلك إلى معاناة واسعة النطاق في الوصول إلى العمل، المدارس، والمستشفيات.
الإغلاقات الإسرائيلية للمدن والقرى الفلسطينية
تستمر إسرائيل في فرض الإغلاقات الشاملة على المدن والقرى الفلسطينية، وهو إجراء يعزل السكان ويقيد حركتهم. فرضت إسرائيل الإغلاقات في أوقات مختلفة، خاصة بعد الهجمات المسلحة، ما أدى إلى تدمير الاقتصاد المحلي وحالة من العزلة التامة في العديد من المناطق الفلسطينية.
الصعوبات في لم شمل الأسر الفلسطينية
تعاني العائلات الفلسطينية من صعوبات كبيرة في لم شمل الأسر، خاصة عندما يكون أحد الزوجين من القدس والآخر من الضفة الغربية أو غزة. تفرض إسرائيل العديد من الإجراءات المعقدة التي قد تستغرق سنوات طويلة، وتمنع العائلات من العيش معًا في معظم الحالات.
الاغتيالات المستهدفة والتصفية
اعتمدت إسرائيل منذ سنوات عديدة سياسة الاغتيالات المستهدفة ضد الفلسطينيين، حيث يتم قتل أفراد بناءً على معلومات استخباراتية. أدت هذه العمليات إلى مقتل العديد من المدنيين الفلسطينيين الذين لم يكونوا مستهدفين، مما يعكس الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من بين 8746 حالة وفاة عنيفة للفلسطينيين تم تسجيلها خلال الفترة من 1987 إلى 2008، تم إعدام 836 شخصًا بعد التعرف عليهم بناءً على معلومات تم جمعها من الجواسيس “المتعاونين”. وفقًا لمنظمة “بتسيلم”، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية، فقد توفي 114 مدنيًا في الفترة بين عام 2000 ونهاية عام 2005 نتيجة الأضرار الجانبية الناجمة عن اغتيال 203 مسلح فلسطيني من قبل قوات الأمن الإسرائيلية. وتشير الأرقام المسجلة بين 9 نوفمبر 2000 و1 يونيو 2007 إلى أن الاغتيالات الإسرائيلية أسفرت عن مقتل 362 شخصًا، منهم 237 مستهدفًا بشكل مباشر و149 من المارة. وأفاد أحد ضباط المخابرات، الذي وصف الأجواء في غرفة العمليات، أن الاغتيالات كانت مبرمجة وتم مشاهدتها عبر الفيديو، مع العلم أنه لم يتم التطرق إلى المخاوف بشأن “الأضرار الجانبية”، حيث كانت الهتافات التي تُسمع تشير إلى أن العملية كانت “مهمة استهداف ناجحة”.
المراقبة اليومية: تنتشر الكاميرات في كافة أنحاء البلدة القديمة بالقدس الشرقية وباقي المدن الفلسطينية. تعتبر إسرائيل دولة مراقبة بامتياز، حيث يتعرض السكان الفلسطينيون للمراقبة المستمرة من خلال الهواتف الذكية والكاميرات المنتشرة، بما في ذلك كاميرات قادرة على مراقبة ما يحدث داخل المنازل. تُجمع الصور من هذه الكاميرات لتدخل في نظام التتبع “الذئب الأزرق” التابع للجيش الإسرائيلي، والذي يستخدم تقنية التعرف على الوجه. “الذئب الأزرق” هو قاعدة بيانات تحتوي على معلومات شاملة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك صورهم، تاريخ عائلاتهم، تعليمهم، وتقييمهم الأمني. يُحظر نشر مثل هذه الأنظمة في إسرائيل، ولكن يتم استخدام تطبيقات مثل “White Wolf” من قبل المستوطنين لجمع المعلومات عن الفلسطينيين. كما تُستخدم الطائرات بدون طيار، البالونات العسكرية، وبرامج التجسس مثل “بيغاسوس” لاختراق الهواتف الذكية، وهي جزء من نظام المراقبة في الضفة الغربية.
ومن بين الناقدين الإسرائيليين للاحتلال، عبر الناشط جيف هالبر والفيلسوف أفيخاي مارغاليت عن قلقهما إزاء التأثير السلبي لأنظمة المراقبة المعقدة على الفلسطينيين، مؤكدين على أن هذه الأنظمة تشكل “مصفوفة السيطرة” وراء الاحتلال. بعد توقف الأعمال العدائية، بدأت إسرائيل في الإحصاء المادي لجميع الممتلكات في المنازل الفلسطينية، من الأجهزة المنزلية إلى رؤوس الماشية والبساتين. كما تم إعداد جرد للمرافق التجارية مثل ورش الأثاث والصابون والمنسوجات. وبالرغم من تقديم العديد من الابتكارات لتحسين الإنتاجية، يمكن النظر إليها أيضًا كآليات مراقبة تهدف لتوسيع السيطرة.
ويعتقد المخططون العسكريون في إسرائيل أن الانسحاب من أجزاء من الضفة الغربية لن ينهي الاحتلال، إذ تصوروا مستقبلاً يعتمد فيه الاحتلال على “المراقبة الجوية” أو “الاحتلال غير المرئي”، بحيث تستمر السيطرة على الأراضي التي تم إخلاؤها فعليًا عبر تقنيات المراقبة والضربات العسكرية.
وقد شبه ضابط مخابرات إسرائيلي سابق، عمله في الوحدة 8200، بنظام المراقبة في فيلم “حياة الآخرين” الألماني، معتبراً أن المراقبة الإسرائيلية أكثر كفاءة. وأشار إلى أن هذه المراقبة لا تقتصر فقط على مكافحة الإرهاب، بل تشمل جمع المعلومات عن الفلسطينيين الأبرياء. فالمراقبة مستمرة ضد جميع الفلسطينيين دون استثناء، حيث يتم استخدام المعلومات “للابتزاز”، مثل الأدلة على الخيانة الزوجية أو المشاكل الصحية أو التوجهات الجنسية. كما استمر القصف والمراقبة المكثفة على المناطق الفلسطينية، وأشار رئيس جهاز الشاباك السابق آفي ديختر إلى أنه “عندما يرسم طفل فلسطيني صورة للسماء، فإنه لا يرسمها بدون طائرة هليكوبتر”.
تقنيات التحكم: وفقًا للباحث بن إينريك، تُكرر جميع الإجراءات المتطرفة التي اتبعتها سلطات الانتداب البريطاني خلال قمع الثورة الفلسطينية عام 1936، وتطبق إسرائيل هذه الممارسات بشكل منتظم في إدارة الأراضي المحتلة.
تختلف آراء الباحثين حول كيفية تصنيف تقنيات السيطرة الإسرائيلية، حيث يرى جان سيلبي أن هناك خمسة محاور رئيسية لتدعيم الاستعمار الإقليمي: بناء المستوطنات، مصادرة الأراضي، تدعيم الاقتصاد المحلي لصالح الاقتصاد الإسرائيلي، إنشاء نظام قانوني مزدوج، وتجميع عملاء محليين لصالح إسرائيل. أما غيرشون شافير فقد أضاف إلى ذلك مجموعة من تقنيات الهيمنة مثل نظام التصاريح، الاعتقال الإداري، الترحيل، هدم المنازل، والتعذيب. ووفقًا لنيفي جوردون، فإن إسرائيل تستخدم الحرب القانونية “لترميز مجال حقوق الإنسان” وبالتالي تأطير عمل حقوق الإنسان كتهديد أمني.
نقل السكان وترحيلهم: تنص اتفاقية جنيف الرابعة على أنه لا يجوز نقل أو ترحيل السكان المحميين من الأراضي المحتلة. ومع ذلك، قامت إسرائيل بترحيل آلاف الفلسطينيين منذ عام 1967، خاصة من منطقة غور الأردن. وباستخدام قانون الطوارئ العسكري، الذي كان ساريًا في ظل الاحتلال البريطاني، استطاعت إسرائيل تبرير هذه الممارسات التي تتناقض مع بنود اتفاقية جنيف. لا تزال إسرائيل تقوم بعمليات ترحيل قسري للفلسطينيين، مثل ما حدث في الخان الأحمر عام 2018.
الرقابة والسيطرة: تخضع الصحف الفلسطينية، فضلاً عن الكتب والمطبوعات الأخرى، لرقابة صارمة بناءً على أوامر الاحتلال العسكرية. تشمل هذه الرقابة منع نشر أي محتوى يتعلق بالقضايا السياسية أو النقد للمستوطنات. كما أن مراقبة الإنترنت أصبحت وسيلة إضافية للتحكم، حيث يتم اعتقال الفلسطينيين بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
التعاون القسري: قامت إسرائيل باستخدام معلومات من أرشيفات شرطة الأمن الأردنية لزيادة شبكة المتعاونين في الضفة الغربية. منذ عام 1979، تم تجنيد الفلسطينيين كمتعاونين مع الشاباك، مستخدمة أساليب قسرية تشمل الاستغلال الشخصي والاقتصادي للفلسطينيين.
تحصيل الضرائب: فرضت إسرائيل نظام الضرائب على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، مع تغييرات تخدم المستوطنين الإسرائيليين، حيث تُعفى المستوطنات من الضرائب بموجب القانون الإسرائيلي، بينما يعاني الفلسطينيون من ارتفاع الضرائب. في عام 1988، نظمت بلدة بيت ساحور مقاطعة ضريبية احتجاجًا على الضرائب التي لم يروا منها أي فائدة، مما أدى إلى عقوبات جماعية من إسرائيل شملت مداهمة منازل وتجميد الحسابات المصرفية.
العقاب الجماعي: استخدمت إسرائيل تدابير العقاب الجماعي مثل القيود على الحركة، وقصف المناطق السكنية، والاعتقالات الجماعية، وهدم المنازل. تعتبر هذه الممارسات انتهاكًا للقانون الدولي، حيث تحظر اتفاقية جنيف العقوبات الجماعية ضد المدنيين. ومع ذلك، استمرت إسرائيل في تنفيذ هذه السياسات كأداة قمع في الضفة الغربية.
هدم المنازل: يعتبر هدم المنازل الفلسطينية من أساليب العقاب الجماعي. رغم أن تدمير الممتلكات محظور وفقًا لقانون الاحتلال، تستمر إسرائيل في هدم المنازل الفلسطينية، معتبرة أنها رد فعل على بناء المنازل بدون تصاريح أو كإجراء ضد ما تعتبره “الإرهاب”. منذ 1967، هدمت إسرائيل أكثر من 48,000 منزل فلسطيني، مما أسفر عن تهجير مئات الآلاف.
نظام التصاريح
منذ عام 1967، كانت الأنظمة العسكرية الإسرائيلية تؤثر في جميع جوانب الحياة اليومية للفلسطينيين، حيث بلغ عدد الأنظمة 1300 بحلول عام 1996، شملت مجالات مثل زراعة الأشجار، استيراد الكتب، وحتى توسيع المنازل. بموجب الأمر العسكري رقم 101، تم حرمان الفلسطينيين في الضفة الغربية من حق شراء أي مواد مطبوعة من الخارج، مثل الكتب والملصقات والصور الفوتوغرافية، ما لم يحصلوا على تصريح مسبق من الجيش الإسرائيلي. في أول عقدين من الاحتلال، كان الفلسطينيون مطالبين بالحصول على تصاريح لمجموعة واسعة من الأنشطة، مثل رخص القيادة، والتسجيلات التجارية، وتسجيل المواليد، وحتى شهادات حسن السيرة للحصول على وظائف في العديد من المهن. وقد وُصف الحصول على هذه التصاريح بأنه عملية مليئة بالصعوبات، حيث كانت المعايير اللازمة للحصول عليها غير واضحة. تم تشبيه هذه الأنظمة بنظام الفصل العنصري، حيث كان هناك حوالي 42 نوعًا من التصاريح حسب غرض الحركة، كما أكدت السلطات الإسرائيلية في 2018.
التأثير على التعليم
استمر الفلسطينيون في إيلاء أهمية كبيرة للتعليم خلال فترة الاحتلال المبكرة، وفي عام 1979، كان الفلسطينيون يشكلون حوالي 10% من خريجي الجامعات في العالم العربي. تشير تقارير مسربة من الستينيات إلى أن تحسين التعليم العالي للفلسطينيين كان يُعتبر تهديدًا أمنيًا محتملاً. رغم توقيع إسرائيل على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في 1966، فإنها أكدت أن حق التعليم لا ينطبق على الأراضي المحتلة بعد عام 1967. خلال الانتفاضة الأولى، أغلقت إسرائيل جميع المدارس في الضفة الغربية، بما في ذلك رياض الأطفال، لمدة 19 شهرًا، وهو ما يدل على رغبتها في تعطيل التطور المعرفي للشباب الفلسطيني. في بداية انتفاضة الأقصى، تعرضت المدارس للرصاص والقصف من قبل الجيش الإسرائيلي، وتم احتلال بعض منها. في 2017، أصدرت إسرائيل أوامر هدم أو “وقف عمل” لـ55 مدرسة في الضفة الغربية.
الغارات الليلية
كما أكد اللواء طال روسو، فإن الجيش الإسرائيلي ينفذ غارات ليلية منتظمة بين الساعة الثانية والرابعة صباحًا. تقوم الوحدات العسكرية، التي غالبًا ما تكون ملثمة ومزودة بالكلاب، بمداهمة المنازل وتفجير الأبواب، بهدف اعتقال المشتبه بهم، أو التفتيش، أو رسم خرائط للبنية الداخلية للمنازل، أو تصوير الشباب لتحسين التعرف عليهم في المستقبل. تصادر الأجهزة الإلكترونية وتتعرض للتخريب في أغلب الأحيان. تكررت تقارير عن نهب الأموال والأغراض الشخصية من قبل الجنود. في ثلاث أيام فقط من 21 إلى 23 يناير 2018، نفذ الجيش 97 مداهمة في الضفة الغربية. من 1967 حتى 2015، قام الجيش الإسرائيلي بأكثر من 65,000 مداهمة ليلية.
الاعتقالات الإدارية
من 1967 إلى 2005، اعتقلت إسرائيل حوالي 650,000 فلسطيني، ليصل العدد إلى مليون بحلول عام 2023. يتم الاعتقال الإداري دون محاكمة أو تهمة، مما يضع الفلسطينيين تحت ظروف قانونية قاسية. يشمل ذلك احتجاز الأفراد لفترات طويلة، دون اتصال مع محام، واستجوابهم قسريًا. في 2017، كانت هناك مئات من الحالات التي تضمنت اعتقال قادة المجتمع المدني. مع تزايد الاعتقالات خلال حرب 2023، بلغ عدد المعتقلين الإداريين 2873 في ديسمبر 2023، وهو رقم غير مسبوق.
التعذيب
وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة، يجب على الدول منع التعذيب، لكن التعذيب كان جزءًا من أساليب الاستجواب الإسرائيلية للفلسطينيين. يشمل التعذيب الجسدي والنفسي، وقد بدأ توثيق هذا في السبعينيات. في عام 1987، أصدرت لجنة لانداو تقريرًا يعترف بـ “الضغط الجسدي المعتدل” كطريقة مقبولة في الاستجواب، رغم أن المحكمة العليا الإسرائيلية حظرت هذه الممارسات لاحقًا. ومع ذلك، ما زالت هذه السياسات مستمرة حتى اليوم.
الزراعة
كان الاقتصاد الزراعي جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الفلسطيني قبل 1967، لكن بعد الاحتلال، فرضت إسرائيل قيودًا على أنواع الأشجار التي يمكن زراعتها وعلى استيراد المعدات الزراعية. في السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين، تراجعت الأراضي المخصصة للرعي الفلسطيني من 225 إلى 84 كيلومترًا مربعًا. كما فرضت قيودًا صارمة على استغلال الأراضي والمياه الزراعية، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي. في سنوات الانتفاضة الثانية، دمرت إسرائيل آلاف الأشجار، وأدت هذه الإجراءات إلى تراجع كبير في الإنتاج الزراعي الفلسطيني.
شجرة الزيتون:
إلى جانب كونها مصدرًا اقتصاديًا مهمًا، تمثل شجرة الزيتون رمزًا للأمة الفلسطينية وسعيها نحو الاستقلال. تغطي بساتين الزيتون حوالي 15% من الأراضي الفلسطينية، أي 45% من الأراضي الصالحة للزراعة، مما يجعلها مصدرًا رئيسيًا للرزق. يُعد موسم الحصاد الخريفي، الذي يحدث مرتين سنويًا، فترة ذات أهمية اجتماعية واقتصادية كبيرة للعائلات في معظم قرى الضفة الغربية، حيث يشكل الزيتون نحو 40% من الإنتاج الزراعي في المنطقة (وفقًا لعام 2009). بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، ساعد الزيتون في التخفيف من البطالة الناتجة عن فقدان فرص العمل في إسرائيل. وتعرف شجرة الزيتون محليًا بـ “شجرة الفقير” وتعتبر مباركة، إذ ذُكرت في القرآن الكريم في قوله تعالى: “وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ” (التين: 1). لكن، مع الأسف، فإن اقتلاع أشجار الزيتون على يد الاحتلال الإسرائيلي أو المستوطنين أصبح أمرًا يوميًا في الضفة الغربية.
بعد الممارسات العثمانية التي كانت تتضمن اقتلاع أشجار الزيتون لمعاقبة التهرب الضريبي، بدأت إسرائيل في تدمير البساتين بهدف تعزيز الأمن في المستوطنات وإبراز شبكة الطرق الداخلية التي تدعم البنية التحتية الاستعمارية في الضفة الغربية. أدى بناء الجدار الفاصل، الذي تم إنشاؤه على أراضي الضفة الغربية، إلى اقتلاع آلاف أشجار الزيتون. في إحدى القرى، طولكرم، دمر مسار الجدار 12,000 شجرة زيتون، بينما أبعد السكان عن بساتينهم، بينما ظلت 100,000 شجرة أخرى على الجانب الإسرائيلي من الجدار، مع إمكانية الوصول إليها مرة واحدة في السنة فقط. بالإضافة إلى ممارسات الدولة، فإن المستوطنين شنوا ما يُسمى بـ “حرب الأشجار” من خلال سرقة أو اقتلاع أو تقطيع أو حرق بساتين الزيتون كجزء من سياسة “دفع الثمن”. في الضفة الغربية، من أصل 708,000 دونم من الأراضي الصالحة للري، فقط 247 ألف دونم هي المروية، ويقدر أن الخسارة السنوية للفلسطينيين بسبب هذه السياسات تصل إلى حوالي 480 مليون دولار، أي نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يسبب فقدان حوالي 10,000 فرصة عمل.
المياه: سياسة فلسطين المائية واستيلاء إسرائيل على الينابيع الفلسطينية في الضفة الغربية:
بعد عام 1967، ألغت إسرائيل حقوق المياه الفلسطينية في الضفة الغربية، وأصدرت أوامر عسكرية تمنع الفلسطينيين من حفر آبار جديدة إلا بتصريح من السلطات الإسرائيلية. حتى عام 1996، لم يُسمح لأي فلسطيني بحفر بئر جديد. إسرائيل تستنزف ثلث مياهها العذبة و50% من مياه الشرب من الضفة الغربية، ما يتسبب في أضرار اقتصادية جسيمة للفلسطينيين. وفقًا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، فإن مصادرة إسرائيل لموارد المياه ينتهك اتفاقية لاهاي لعام 1907 التي تحظر على قوة الاحتلال استخدام موارد الأرض المحتلة لمصلحتها الخاصة.
يشكو الفلسطينيون من أن استنزاف مياههم لصالح المستوطنات الإسرائيلية قد أثر بشكل كبير على الزراعة والاقتصاد الفلسطيني. كما أن هناك تمييزًا واضحًا في أسعار المياه وتوزيعها، حيث يستفيد المستوطنون من المياه بأسعار منخفضة وكميات ضخمة، بينما يعاني الفلسطينيون من نقص المياه. يستهلك المستوطنون في الضفة الغربية حوالي 8-10 أضعاف ما يستهلكه الفلسطينيون، وتباع المياه لهم بـ 0.5 شيكل للمتر المكعب، بينما يصل سعرها للفلسطينيين إلى 1.8 شيكل، ويتم تزويدهم بها بشكل غير منتظم.
منطقة النفايات:
انضمت إسرائيل إلى اتفاقية بازل الدولية في 14 ديسمبر 1994، والتي تلزم الدول بحماية البيئة عند نقل النفايات الخطرة. إلا أن إسرائيل استخدمت الضفة الغربية كموقع للنفايات الخطرة، حيث أنشأت 15 محطة لمعالجة النفايات هناك، تحت قواعد أقل صرامة من تلك المطبقة في إسرائيل، مما يعرض السكان الفلسطينيين والبيئة لخطر شديد. تشمل هذه النفايات مواد خطرة مثل حمأة الصرف الصحي، النفايات الطبية، والزيوت المستعملة.
كما قامت إسرائيل في السبعينيات ببناء محطات لمعالجة النفايات في الضفة الغربية، ولكنها لا تعمل بكفاءة، مما ترك معظم مياه الصرف الصحي الفلسطينية دون معالجة. ومن جهة أخرى، يتم التخلص من النفايات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، مثل مكب النفايات في الجفتلك بأريحا، الذي يُستخدم حصريًا للتخلص من نفايات المستوطنات.
استخراج الموارد:
وفقًا لاتفاقيات لاهاي (المادة 55)، يسمح للاحتلال باستخدام بعض موارد الأرض المحتلة ولكن دون استنزافها أو الاستفادة منها لمصلحة الاحتلال. مع ذلك، فإن إسرائيل قد استولت على العديد من الموارد الطبيعية الفلسطينية، بما في ذلك المعادن في البحر الميت، مثل البروم، الذي تُنتج منه إسرائيل 75% من الإنتاج العالمي، بينما يمنع الفلسطينيون من الاستفادة من هذه الموارد. كما أن القيود التي تفرضها إسرائيل على استخراج المعادن تكلف الاقتصاد الفلسطيني خسائر تقدر بمئات الملايين من الدولارات سنويًا.
الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للاحتلال:
تعمل العديد من الشركات الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث تديرها غالبًا مستوطنات إسرائيلية تتمتع بدعم حكومي، وأجور منخفضة، وضريبة قليلة، بالإضافة إلى العمالة الفلسطينية الرخيصة. يشير تقرير “هيومن رايتس ووتش” إلى أن هذه الشركات تمثل تأثيرًا أكبر من المستوطنات نفسها، حيث تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي الصناعية. ووفقًا لبعض العمال الفلسطينيين في المنطقة الصناعية “بركان”، فإنهم يتقاضون أجورًا أقل من الحد الأدنى للأجور الإسرائيلي، مع ساعات عمل طويلة وظروف عمل قاسية.
وتسعى السياسة الإسرائيلية إلى تقويض أي محاولة فلسطينية للتنمية الاقتصادية عبر عدم منح تصاريح توسعية للمشاريع الفلسطينية، بما في ذلك الزراعة والصناعة التي قد تنافس الاقتصاد الإسرائيلي.