يواصل الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ هجومه العسكري الواسع النطاق على قطاع غزة، الذي بدأ في يوم الإثنين 11 نوفمبر، ليدخل يومه الـ407 في ظل تصاعد غير مسبوق في أعداد الضحايا. ومعظم الضحايا هم من الأطفال والنساء، حيث تشكل نسبتهم أكثر من 80% من إجمالي الشهداء. تفاقمت الأوضاع الإنسانية في القطاع إلى درجة كارثية، حيث نزح ما يقارب 90% من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، نتيجة الأوامر المتتالية من السلطات الإسرائيلية بالتهجير القسري، واستمرار الاحتلال في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من أبرزها جريمة الإبادة الجماعية التي بدأت ملامحها تتكشف منذ السابع من أكتوبر 2023.
ورغم الضغوط الدولية والحقوقية، تواصل إسرائيل الهجوم على المدنيين والمرافق المدنية في غزة، في خرق سافر للقوانين الدولية واتفاقيات جنيف، معتبرة ذلك جزءًا من استراتيجية إبادة جماعية. يأتي ذلك بعد أيام من انعقاد محكمة العدل الدولية، حيث قدمت جمهورية جنوب أفريقيا دعوى تطالب باتخاذ تدابير مؤقتة لحماية الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من المزيد من الاعتداءات الإسرائيلية، ووقف عمليات الاحتلال العسكرية على الفور. لكن في تحدٍ صارخ للعدالة الدولية، استمرت قوات الاحتلال في شن هجماتها، غير آبهة بالتحذيرات القانونية والحقوقية، مما يضاعف من معاناة الشعب الفلسطيني.
منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، مثل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، ومنظمة الحق، أكدت في تقاريرها أن استمرار إسرائيل في ارتكاب هذه الجرائم، بدعم عسكري ودبلوماسي أميركي وأوروبي، يعد انتهاكًا صارخًا لجميع القوانين الدولية التي تحظر استخدام القوة ضد المدنيين. وتطالب هذه المنظمات المجتمع الدولي بتحرك عاجل من أجل فرض وقف فوري لإطلاق النار، والعمل على محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، وتوفير الحماية للمدنيين، إضافة إلى العمل على تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
من خلال المتابعة الميدانية، أفادت فرقنا بأن قوات الاحتلال استمرت في قصف المنازل على رؤوس ساكنيها، واستهداف التجمعات التي تضم آلاف النازحين، ما أدى إلى زيادة حدة الخسائر البشرية، حيث وصل معدل الشهداء إلى حوالي 135 شهيدًا يوميًا، مع إصابة حوالي 350 شخصًا يوميًا. وبذلك، ارتفعت حصيلة الضحايا منذ السابع من أكتوبر وحتى ظهر يوم 11 نوفمبر 2024، إلى 24,922 شهيدًا و60,317 جريحًا، 80% منهم من النساء والأطفال. وتشير التقارير إلى أن من بين الشهداء، هناك 10,400 طفل، و7,100 امرأة، بالإضافة إلى 337 من الطواقم الطبية، و45 من الدفاع المدني، و117 صحفيًا، وفقًا للبيانات الرسمية في غزة.
ومع استمرار هذه الجرائم، يتزايد الضغط على المجتمع الدولي لفرض عقوبات ومحاسبة الاحتلال على جرائمه. كما تزداد الدعوات لفتح تحقيقات دولية مستقلة للوقوف على حقيقة ما يحدث في غزة ومحاسبة المتورطين، بما يتماشى مع التزامات المجتمع الدولي لحماية حقوق الإنسان وحماية المدنيين في مناطق النزاع.
تؤكد طواقمنا الميدانية أن العدد الفعلي للشهداء في قطاع غزة يفوق بكثير الأرقام المعلنة من وزارة الصحة الفلسطينية. إذ أن هناك العديد من الضحايا الذين لا تزال جثثهم تحت الأنقاض أو في الشوارع، حيث يجد الأهالي أنفسهم مضطرين لدفن ذويهم في ظل غياب الإمكانات وعدم القدرة على نقلهم إلى المشافي، في ظروف إنسانية بالغة القسوة. هذا الوضع يساهم في انتشار المزيد من الأمراض والأوبئة الصحية بسبب تحلل الجثث تحت الأنقاض، مما يشكل تهديدًا إضافيًا لحياة المدنيين ويقوض كرامة الموتى في وقت تتعرض فيه غزة إلى إبادة جماعية غير مسبوقة.
كما أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة قد تسببت في أذى جسدي ومعنوي بالغ للفلسطينيين في قطاع غزة، وبالخصوص للأطفال. فمن بين الآلاف من المصابين، هناك المئات من الأطفال الذين فقدوا أطرافًا أو عيونًا، بينما يعاني آخرون من إصابات خطيرة تتطلب علاجًا عاجلًا في الخارج. إلا أن الاحتلال يواصل إعاقة سفرهم لتلقي العلاج، في تحدٍ للقوانين الإنسانية التي تكفل حق العلاج.
وتستمر معاناة حوالي مليوني نازح فلسطيني، حيث اضطُر مئات الآلاف منهم للنزوح أكثر من مرة نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة. هذا النزوح الجماعي جاء نتيجة للأوامر الإسرائيلية بالتهجير القسري، فضلاً عن القصف المتواصل والهجوم البري الذي تقوده قوات الاحتلال، خصوصًا في مناطق مثل المحافظة الوسطى وخانيونس، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني.
المعاناة التي يعيشها سكان غزة أصبحت تفوق الوصف، وتحولت إلى وصمة عار في جبين المجتمع الدولي. فقد وجد المدنيون أنفسهم مضطرين للانتقال من مكان إلى آخر دون أمتعة أو مواد غذائية، في ظل أمطار غزيرة وبرودة شديدة، في مناطق جغرافية ضيقة تفتقر إلى الرعاية الصحية. الأوضاع الصحية تزداد سوءًا، مع انتشار الأوبئة والأمراض المعدية في مناطق النزوح بسبب تكدس السكان في أماكن ضيقة، بينما يعانون من الجوع والعطش المستمر.
تواجه مناطق شمال غزة، وخاصة وادي غزة، كارثة إنسانية حقيقية، حيث تمنع قوات الاحتلال وصول المساعدات الإنسانية إلى هؤلاء النازحين، ولا تسمح إلا بمرور عدد محدود من الشاحنات المحملة بالإغاثة. وفي بعض الحالات، أطلقت قوات الاحتلال النار على المدنيين أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات الغذائية والطبية، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
ورغم تراجع قوات الاحتلال من بعض المناطق في شمال غزة، فإن القصف المدفعي والجوي مستمر على نطاق واسع، مما يؤدي إلى زيادة عدد الضحايا المدنيين. ويمنع الاحتلال عودة مئات الآلاف من النازحين إلى مناطقهم التي تعرضت لدمار شبه كلي، حيث طال التدمير أكثر من 70% من المباني والبنية التحتية في تلك المناطق، بما في ذلك أحياء كاملة مثل بيت حانون، جباليا، الشجاعية، والرمال، التي دُمرت تمامًا.
وتظل الرعاية الصحية في قطاع غزة مهددة بشكل خطير، حيث تعاني المستشفيات والمرافق الصحية من نقص حاد في المعدات والإمكانيات بسبب الهجمات الإسرائيلية المتعمدة على المنشآت الطبية. ومن بين 36 مستشفى في قطاع غزة، خرج عن الخدمة 30 مستشفى بشكل كامل أو جزئي، بينما تم تدمير نحو 80% من عيادات الرعاية الصحية الأولية. في ظل هذه الظروف، يواجه السكان تهديدًا صحيًا بالغ الخطورة، مع انتشار أمراض وبائية كانت قد قُضي عليها في القرن الماضي.
وفقًا للمصادر الطبية، تم تسجيل نحو 626 ألف حالة مرضية في مناطق جنوب قطاع غزة، بينما يصعب الحصول على إحصائيات دقيقة من شمال القطاع بسبب الحصار وإغلاق الطرق. ويضاف إلى ذلك أن 30 مستشفى من أصل 36 في القطاع قد خرجت عن الخدمة بسبب القصف أو التدمير، مما يعكس حجم الكارثة الصحية التي تواجهها غزة.
وفي 12 يناير/كانون الثاني 2024، انقطعت شبكات الاتصالات والإنترنت عن غالبية مناطق قطاع غزة للمرة السابعة منذ بداية الهجوم الإسرائيلي، مما فاقم من معاناة السكان الذين أصبحوا غير قادرين على التواصل مع بعضهم البعض أو مع العالم الخارجي. واستهدفت قوات الاحتلال طاقمًا لشركة الاتصالات الفلسطينية خلال محاولته إصلاح الشبكة في خانيونس، ما أسفر عن استشهاد اثنين من أفراد الطاقم.
وتستمر الغارات الجوية في تدمير المنشآت الحيوية في غزة، بما في ذلك المدارس والمساجد والمراكز الثقافية، مما يترك قطاع غزة في حالة دمار شبه كامل، حيث توقفت الحياة التعليمية بشكل كامل. كما تواصل إسرائيل استهداف المعالم الحضارية والتاريخية، متسببة في تدمير 145 مسجدًا بشكل كامل، و243 مسجدًا بشكل جزئي، إضافة إلى تدمير 3 كنائس وعدد من المواقع التاريخية.
إن ما تشهده غزة من تدمير للبنية التحتية، وانتهاك لحقوق الإنسان، وتدمير للموارد الأساسية التي يعتمد عليها الشعب الفلسطيني للبقاء على قيد الحياة، يمثل تهديدًا حقيقيًا لوجوده في هذه الأرض، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لقدرته على حماية المدنيين وفقًا للقوانين الدولية.
لقد تعطلت الحياة الاقتصادية والصناعية والتجارية في قطاع غزة بشكل كامل، وأصبح تأمين احتياجات العائلات الأساسية مثل الطعام والماء أمرًا بالغ الصعوبة. يعاني المدنيون الفلسطينيون من نقص حاد في السلع الأساسية، بينما يعيشون في ظروف معيشية قاسية تهدد حياتهم بشكل مستمر. وفي هذا السياق، فإن الوضع الإنساني يتدهور بوتيرة متسارعة، حيث لم تقتصر الهجمات العسكرية على تدمير البنية التحتية فقط، بل امتدت إلى تدمير النسيج الاجتماعي والاقتصادي في القطاع، مما فاقم معاناة السكان.
وتؤكد مؤسساتنا أن هذه العمليات العسكرية التدميرية تستهدف بشكل ممنهج تفكيك المجتمع الفلسطيني، وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بالمدنيين في محاولة لتهجيرهم وتدمير هويتهم الوطنية. هذه العمليات تتسق مع التصريحات المتكررة من قبل مسؤولين إسرائيليين التي تكشف عن نية مبيتة لارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، سعيًا إلى محو وجوده الوطني في الأرض الفلسطينية.
أمام هذه الجرائم المستمرة والممارسات الوحشية، فإننا نُجدد دعوتنا للمجتمع الدولي للتحرك العاجل والفوري من أجل وقف الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي يستهدف بشكل متعمد المدنيين والأعيان المدنية كأداة للانتقام والعقاب الجماعي، ولضغط الشعب الفلسطيني في سبيل تحقيق أهداف سياسية استعمارية. إن استمرار هذه الممارسات غير الإنسانية يتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ تدابير فعالة لضمان محاسبة إسرائيل على جرائمها، وعلى وجه الخصوص جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة الجماعية التي تم ارتكابها بحق المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما نحث محكمة العدل الدولية على اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان حماية المدنيين الفلسطينيين والأعيان المدنية من استهداف الاحتلال الإسرائيلي المستمر. يجب على المحكمة أن تتحمل مسؤولياتها القانونية وتسرع في اتخاذ تدابير تضمن عدم استمرار إسرائيل في ارتكاب هذه الجرائم ضد الشعب الفلسطيني. كما ندعو الدول الداعمة للعدالة إلى الإعلان عن دعمها لدعوى جمهورية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، والعمل على تقديم الدعم الكامل في محاكمة إسرائيل على جرائمها المستمرة.
وفي إطار التحقيقات الجارية، نطالب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتسريع الإجراءات وفتح تحقيق شامل في الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك جرائم القتل الجماعي، التي طالت النساء والأطفال بشكل خاص. إن انتظار العدالة للشعب الفلسطيني طال كثيرًا، والوقت قد حان لتحقيق الإنصاف، وإظهار الحقيقة كاملة.
إننا نجدد مطالباتنا للمجتمع الدولي بضرورة ضمان إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل، وتفكيك نظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني. يجب على العالم أن يضغط لإلغاء جميع القوانين والسياسات والممارسات التمييزية واللاإنسانية التي تمارس ضد الفلسطينيين، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير، بالإضافة إلى ضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، دون أية قيود أو شروط.
يتم تخصيص التبرعات لتوفير الدعم الإنساني المباشر، بما في ذلك الغذاء، الرعاية الصحية، والتعليم، إلى جانب دعم مشاريع تمكين المجتمع.
نعم، يمكن للمتبرعين اختيار تخصيص تبرعاتهم لمجالات معينة كالتعليم، الصحة، أو الإغاثة الطارئة حسب رغبتهم.
نحن نعمل بشفافية ونتبع أساليب توثيق دقيقة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، وتُتاح تقارير دورية عن توزيع المساعدات.