انتهاكات السجون لم تبدأ من 7 أكتوبر
منذ احتلال الأراضي الفلسطينية في عام 1967، انتهجت السلطات الإسرائيلية سياسة الاعتقال الجماعي والمنهجي بحق الفلسطينيين، وشملت هذه السياسة كافة فئات الشعب الفلسطيني، بما في ذلك النساء والأطفال. وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، بلغ عدد الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم منذ عام 1967 حتى عام 2006 حوالي 800 ألف شخص، في حين بلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بحلول نهاية أغسطس 2023 حوالي 5000 فلسطيني، وتستمر هذه الأعداد في الزيادة بشكل يومي. من بين هؤلاء المعتقلين، يوجد أكثر من ألف معتقل إداري محتجزون دون محاكمة أو تهمة.
وقد وثقت تقارير حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات المحلية والدولية أن إسرائيل تستخدم العديد من أساليب التعذيب الممنهج بحق الأسرى الفلسطينيين في سجونها. من بين أساليب التعذيب الجسدي والنفسي: احتجاز المعتقلين في غرف ضيقة مكتظة وغير صحية، الاعتداءات الجنسية، تغطية الرأس وتعصيب العينين، إجبار المعتقلين على الوقوف لساعات طويلة، ربطهم في أوضاع مؤلمة على كراسي، حرمانهم من النوم، والعقوبات بالحبس الانفرادي، بالإضافة إلى الشبح والتعذيب بأساليب متنوعة أخرى.
وقد أسفرت هذه الممارسات عن استشهاد 73 معتقلًا فلسطينيًا منذ عام 1967 حتى 2020 نتيجة لهذه المعاملة القاسية. علاوة على ذلك، تلقت وزارة العدل الإسرائيلية بين عامي 2001 و2023 أكثر من 1400 شكوى تتعلق بتعرض المعتقلين الفلسطينيين للتعذيب وإساءة المعاملة من قبل جهاز الشاباك الإسرائيلي، ولكن التحقيقات لم تُفضِ إلى توجيه أي اتهامات ضد المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
ومن جهة أخرى، تستخدم سلطات الاحتلال سياسة الإهمال الطبي كأداة إضافية للتعذيب، حيث يُحرم المعتقلون من العلاج الطبي اللازم والفحوصات الطبية. وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر في مايو 2023، تحذيرات بشأن السياسات الإسرائيلية المتعلقة بالرعاية الصحية للأسرى الفلسطينيين، وخاصة المرضى منهم. ومن بين الانتهاكات الصحية التي تم الإشارة إليها: تكبيل المعتقلين المرضى في أسرة المستشفيات، وعدم وجود متابعة طبية مناسبة لهم بعد مغادرتهم المستشفيات، فضلاً عن حرمان الأسرى المضربين عن الطعام من الرعاية الطبية اللازمة.
وتستمر إسرائيل في تطبيق سياسة الاعتقال الإداري، الذي يتيح لها اعتقال الفلسطينيين لفترات طويلة دون محاكمة أو تهم، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، لا سيما اتفاقيات جنيف الرابعة التي تنص على حقوق الأسرى في السجون.
القانون الدولي والإجراءات القمعية للاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين
تشدد قواعد القانون الدولي الإنساني على عدم إلزام سكان الأراضي المحتلة بطاعة أو ولاء لسلطات الاحتلال. إذ نصت المادة 45 من لائحة الحرب البرية المرفقة باتفاقية لاهاي لعام 1907 على أنه “لا يجوز إجبار السكان على أداء قسم الولاء للسلطة المعادية”. كما أكدت اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة على أن العقوبات المقررة للأسرى يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أنهم ليسوا من رعايا الدولة المحتلة.
إلا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تعترف مطلقًا بتطبيق اتفاقيات جنيف في الأراضي المحتلة، بل استمرت في إصدار تشريعات عنصرية تضمنت قوانين ومشاريع قوانين تقمع الفلسطينيين وتستهدف الأسرى. فقد أقرّ الكنيست الإسرائيلي العديد من القوانين في السنوات الأخيرة، من أبرزها:
- قانون استهداف الأطفال القاصرين ومحاكمتهم، حتى من هم دون سن الرابعة عشر.
- قانون تغذية الأسرى القسريين المضربين عن الطعام.
- قوانين تشديد العقوبات ضد الفلسطينيين، مثل تلك المتعلقة براشقي الحجارة.
- قوانين تتيح لإسرائيل تطبيق قوانينها الجنائية على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
- قوانين منع زيارات أسرى ينتمون إلى منظمات فلسطينية، بالإضافة إلى قوانين تتعلق بجثث الشهداء.
الاعتقال الإداري:
يعد الاعتقال الإداري أحد الأساليب التعسفية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين. ويتم هذا الاعتقال دون تقديم تهم واضحة ودون محاكمة علنية. يعتمد الاعتقال الإداري على أوامر عسكرية لا يحق للمعتقل أو محاميه الاطلاع على تفاصيلها، ويتم تجديده بشكل متكرر، مما يجعل المعتقلين عرضة للاحتجاز لفترات غير محددة.
وفي هذا السياق، يعتبر الاعتقال الإداري مخالفًا للقانون الدولي، خاصة المادة (78) من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تشدد على ضرورة أن يكون الاعتقال لأسباب تتعلق بالأمن القومي وأن يكون محدودًا في الزمن.
احتجاز الجثامين:
تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي باحتجاز جثث الشهداء الفلسطينيين في ما يعرف بمقابر الأرقام، حيث يتم دفن الشهداء في قبور مجهولة الهوية تحمل أرقامًا بدلاً من أسمائهم. هذا الإجراء يعتبر انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، ويهدف إلى معاقبة عائلات الشهداء. وبالرغم من أن هناك نحو 68 فلسطينيًا مفقودًا منذ بداية الاحتلال، ترفض سلطات الاحتلال إعطاء أي معلومات حولهم.
ويخالف هذا الممارسات الإسرائيليّة بشكل واضح مبادئ اتفاقية جنيف الرابعة، التي تفرض على دولة الاحتلال أن تحترم وتوفر الرعاية لمدافن الشهداء وتتيح لأسرهم الوصول إلى أماكن دفنهم. كما أكدت محكمة العدل العليا الإسرائيلية على أن مبدأ الكرامة الإنسانية يشمل حتى جثث الموتى.
الحبس المنزلي:
الحبس المنزلي هو عقوبة قسرية تفرضها محاكم الاحتلال الإسرائيلية على الفلسطينيين، حيث يُجبر الشخص على البقاء داخل منزله لفترة محددة أو في منزل قريب له. وقد يتم تمديد هذه العقوبة لفترات إضافية، وفي حال مخالفة هذه القيود، يتعرض الشخص لعقوبات إضافية.
يعد الحبس المنزلي إجراءً تعسفيًا مخالفًا للمبادئ الأساسية للقانون الدولي، خاصة اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 واتفاقيات جنيف لعام 1949، حيث ينتهك الحقوق الأساسية للفرد في التنقل والحياة الحرة.