الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين يُعتبر حجر الزاوية في الفكر الصهيوني وأساسًا من أسس بناء الدولة العبرية. يختلف الاستيطان الصهيوني عن غيره من الأنماط الاستيطانية التي شهدها العالم، إذ أنه يرتكز على أبعاد دينية وأساطير تاريخية. هذا الاستيطان يهدف إلى خلق واقع كياني داخل التجمعات الفلسطينية العربية، مما يؤدي إلى مضايقتها ومن ثم طردها.
من المهم أن نعيد قراءة الفكر الاستيطاني الصهيوني منذ بداياته، لأن تلك البدايات لا تزال قائمة إلى حد ما في الأطر والمناهج السياسية الإسرائيلية المعاصرة.
البدايات
يمكن اعتبار طرد اليهود من إسبانيا في عام 1492 نتيجة للصراع الديني بين اليهودية والمسيحية، حيث طُرد اليهود الذين عُرفوا بـ”اليهود السفارديم” من إسبانيا، والذين توجهوا إلى المناطق الخاضعة للحكم العثماني في أوروبا وآسيا، بينما وصل بعضهم إلى فلسطين.
في فلسطين، حتى منتصف القرن التاسع عشر، وقبل وصول طلائع المهاجرين الصهيونيين من روسيا ورومانيا، كان اليهود أقلية ضئيلة بين السكان العرب، حيث كانوا يعيشون في نحو عشرة أماكن مختلفة من فلسطين. وقد بدأ وجود اليهود في فلسطين في العصور الحديثة في نهاية القرن الخامس عشر، بعد وصول السفارديم إلى هناك. ووفقًا للكتاب السنوي الإسرائيلي، كان عدد اليهود في فلسطين عام 1822 حوالي 24 ألفًا. ويبدو أن هذا الرقم يتوافق مع التقديرات العثمانية، حيث بلغ عدد سكان فلسطين في منتصف القرن التاسع عشر حوالي نصف مليون نسمة، 80% منهم عرب مسلمون، و10% عرب مسيحيون، و5%-7% يهود.
نظرًا لقلة عدد اليهود في فلسطين، بدأ الفكر الصهيوني يتبلور في خارج فلسطين والمنطقة العربية عموماً منذ أواخر القرن الثامن عشر. وبدأت الدعوات لاستيطان فلسطين وتشجيع الهجرة اليهودية إليها تظهر بوضوح. في هذا السياق، وضع زفي هيرش كاليشر كتابه “السعي لصهيون” في عام 1864، حيث أكد أن خلاص اليهود لن يكون عن طريق مسيح منتظر، بل عن طريق الجهد البشري اليهودي لبناء مجتمع يعتمد على ارتباط اليهود بأرض يزرعونها لتكون وطنًا قوميًّا لهم، ولا يتم ذلك إلا في فلسطين.
من أجل تحقيق فكرته، قام كاليشر بالطلب من الممولين اليهود المساهمة في تكوين جمعية هدفها استثمار فلسطين وتشجيع اليهود من شرق أوروبا وألمانيا على الهجرة إليها. ونجح في تأسيس “جمعية استثمار أرض إسرائيل” في عام 1864، وهي التي تعاونت مع “الأليانس الإسرائيلية العالمية”، وأسست أول مدرسة زراعية يهودية في فلسطين عند مدخل مدينة يافا في عام 1870، وهي مدرسة “نتر”. لكن الفلاحين الفلسطينيين عارضوا إقامة هذه المدرسة وحدثت مشاكل حول حدودها، حيث لم يرحبوا بمؤسسة أجنبية تتوسط قراهم.
الهجرة الأولى والاستيطان الزراعي
في عام 1881، بدأت الهجرة اليهودية من روسيا إلى فلسطين، وكانت تلك الهجرة شديدة العنصرية وضعيفة التنظيم. جاءت بعد اغتيال القيصر الروسي ألكسندر الثاني في عام 1881، وبسبب تورط اليهود في هذا الحدث، تبعت هذه الهجرة هجرات أخرى اتجه معظمها إلى غرب أوروبا والولايات المتحدة، بينما هاجر جزء منها إلى فلسطين. وأطلق على هذه الحركة اسم “هواة صهيون” أو “أحباء صهيون”، وهم الذين أنشأوا المستوطنات اليهودية الأولى في فلسطين بين عامي 1881 و1904.
في بريطانيا، تأسس “اليانس إسرائيل” في عام 1870، وفي عام 1873 تأسس “اليانس إسرائيلي” في ألمانيا. وتمكن يهود الأليانس، بالتعاون مع يهود القدس، من شراء أرض بمساحة 2600 دونم قرب يافا في عام 1878، وقاموا بإنشاء مدرسة زراعية هناك في عام 1870، وعُرفت باسم مدرسة “مكفيه إسرائيل”. كما تمكن الأليانس من الحصول على ميثاق من السلطان العثماني عبد العزيز في عام 1871، يمنحهم الأرض لإنشاء مدرسة زراعية.
في عام 1882، أسس المهاجرون من رومانيا مستوطنة “روش بينا” في الجاعونة، وفي 2 نوفمبر 1882، أسسوا مستوطنة “زماين” (التي أصبحت تعرف فيما بعد بـ “زخرون يعقوب”). ومن 1882 إلى 1884، وصل عدد المستوطنات اليهودية في فلسطين إلى ثمانية. وبهذا، يعتبر عام 1882 نقطة تحول هامة في تاريخ فلسطين في القرن التاسع عشر، حيث بدأت الهجرة اليهودية المنظمة إلى فلسطين، وهي الهجرة ذات الأغراض السياسية التي تأثرت بالفكر الصهيوني.
تطور الاستيطان الصهيوني
وفقًا للمصادر البريطانية، تمكن اليهود بين عامي 1882 و1914 من شراء ما مجموعه 420,600 دونم من أراضي فلسطين. وكانت وسائل الشراء الرئيسية هي المؤسسات اليهودية والأفراد، الذين حصلوا على 404,200 دونم من 1882 حتى بداية الحرب العالمية الأولى. أما “الصندوق القومي اليهودي” (الكيرن كايمت)، فحصل في عام 1914 على 16,400 دونم.
جدول رقم (1):
العام | الأراضي المشتراة بواسطة الصندوق القومي اليهودي (بالدونم) | المستوطنات الزراعية بواسطة الآيكا والأفراد (بالدونم) | المجموع (بالدونم) | عدد المستوطنات | السكان |
---|
1882 | — | 25,000 | 25,000 | 5 | 500 |
1890 | — | 107,100 | 107,100 | 14 | 2,770 |
1900 | — | 220,700 | 220,700 | 22 | 4,950 |
1914 | 16,400 | 404,200 | 420,600 | 47 | 11,580 |
جدول رقم (2): المستوطنات اليهودية في فلسطين قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول 19-21/8/1897 بازل – سويسرا
الرقم | الاسم | سنة التأسيس |
---|
1 | مكفيه يسرائيل | 1870 |
2 | بيتح تكفا | 1878 |
3 | روش بينا | 1882 |
4 | ريشون ليتسيون | 1882 |
5 | زخرون يعقوب | 1882 |
6 | يسودها هامعليه | 1883 |
7 | نس تسيونه | 1883 |
8 | عقرون (مزكيرت باتيه) | 1883 |
9 | غديره | 1884 |
10 | بيتر طوفيا | 1887 |
11 | بات شلومو | 1889 |
12 | ميئر شافيه | 1889 |
13 | مشمار هايردن | 1890 |
14 | رحوفوت | 1890 |
15 | الخضيرة | 1890 |
الموقف العثماني
بدأت السلطة العثمانية في إدراك مخاطر الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتأسيس مستوطنات منذ بداية الحركة الاستيطانية. في عام 1855، أصدر الباب العالي قانونًا يمنع الأجانب من شراء الأراضي في فلسطين، وفي 1869، صدر قانون آخر خاص بالأراضي التي تملكها التابعية الأجنبية. كما أصدرت الحكومة العثمانية في فبراير 1887 أوامر تشير إلى السماح لليهود بالدخول كحجاج أو زوار فقط.
ولكن رغم هذه القوانين، استمرت الجهود اليهودية في محاولات استيطانية عبر طرق غير قانونية، مثل شراء الأراضي من الإقطاعيين باستخدام الرشاوى مع الإدارة العثمانية الفاسدة. على سبيل المثال، تملك أسرة “سارسق” مساحات واسعة في فلسطين وتجارها هناك.
في 1891، أرسل القنصل الأميركي في القدس تقريرًا إلى حكومته أشار فيه إلى رفض المسلمين إقامة مملكة لليهود في فلسطين. كما شهدت المستوطنات اليهودية، مثل “روش بينا”، معارضة شعبية من الفلاحين الفلسطينيين، إذ تعرضت مستوطنة “روش بينا” في 1883 للهجوم من قبل الفلاحين المحليين، وكذلك مستوطنات أخرى مثل “بيتح تكفا” و”غديره” في فترات لاحقة.
كما تعرضت هذه الأنشطة الاستيطانية للاعتراض السياسي من قِبل وجهاء القدس، الذين طالبوا بمنع المهاجرين اليهود من دخول البلاد بسبب التأثير الاقتصادي الذي قد ينتج عن استيطانهم.
مأسسة الاستيطان
بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني في 1897، سعت الحركة الصهيونية بزعامة ثيودور هرتزل إلى تعزيز أنشطتها وفقًا لبرنامج يشمل التنظيم، الاستيطان، والدبلوماسية. في هذا المؤتمر تم اتخاذ قرارات هامة، حيث تم تأسيس “الصندوق القومي اليهودي” (الكيرن كايمت) لشراء الأراضي في فلسطين، وتنظيم الهجرة عبر توطين اليهود في الأراضي الزراعية، وجعلها ملكية جماعية.
شهدت هذه الفترة، التي امتدت بين 1904-1914، موجة جديدة من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، حيث وصل نحو 35-40 ألف مهاجر يهودي. وقد ساعدت هذه الهجرة في تأسيس الأسس الأولية للكيان الصهيوني في فلسطين، إذ خرج منها العديد من الزعماء الصهيونيين الذين لعبوا أدوارًا هامة في تاريخ الحركة الصهيونية في فلسطين وخارجها.
استخدمت سلطات الانتداب البريطاني العديد من الطرق للتحايل على قوانين الهجرة، منها السماح بدخول فلسطين بعد استيفاء شروط مالية معينة للفئات (أ، ب، ت)، ثم إعادة المبالغ إلى الخارج لإدخال مهاجرين جدد. كما كان من بين الوسائل المتبعة الدخول إلى البلاد لمدة عام وعدم الخروج منها، فضلاً عن إجراء زيجات صورية بين يهود من داخل فلسطين وخارجها. إضافة إلى ذلك، كانت هناك محاولات لانتحال صفة رجال الدين لتلبية شروط الهجرة. ومن أبرز الأساليب أيضاً، الهجرة السرية، التي كانت تحدث بالتوازي مع الهجرة القانونية، حيث يتم دخول البلاد بشكل غير مشروع عبر اجتناب مراكز المراقبة أو البقاء في البلاد بعد انتهاء التصريح أو عبر الزواج الصوري.
على الجانب الآخر، كان للوكالة اليهودية دور كبير في تسهيل الهجرة اليهودية. فقد كانت تُمنح تصاريح الهجرة لتوزيعها على مكاتبها في الخارج دون أي إشراف رسمي. كما حصلت على حق اعتبارها صاحب عمل، مما ساعدها على جلب المزيد من العمال اليهود. في عام 1922، بلغ عدد المهاجرين 7844، منهم 3310 عمال، وفي عام 1925، ارتفع العدد إلى 33801، منهم 16161 عاملاً.
التضييق على الفلاحين الفلسطينيين
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، كان الفلاح الفلسطيني يواجه تحديات كبيرة نتيجة للديون الثقيلة التي تراكمت عليه، حيث كان العديد من الفلاحين يقترضون من البنك الزراعي العثماني. ومع بدء الانتداب البريطاني في فلسطين، تم إلغاء البنك العثماني في مارس 1921، مما جعل الفلاحين يعانون من صعوبة الحصول على قروض بفوائد معتدلة. كما كانت السلطات البريطانية تطالب الفلاحين بدفع ديون البنك العثماني، مما زاد من معاناتهم.
نص الدستور الفلسطيني على أن المندوب السامي البريطاني كان يملك السلطة في التصرف بالأراضي العامة، إذ كان بإمكانه هبة أو تأجير هذه الأراضي حسب مرسوم قانوني. وقد تكرس هذا الحق في معاهدة الصلح مع تركيا عام 1925، حيث نصت المادة 60 من المعاهدة على أن الأراضي التي كانت تحت الحكم العثماني أصبحت ملكاً للحكومة البريطانية دون دفع تعويضات.
وفي عام 1926، تم إصدار قانون نزع الملكية الذي سمح للسلطات البريطانية بمصادرة الأراضي التي لا يمكن إثبات ملكيتها. كما فرضت السلطات البريطانية ضرائب ثقيلة على الأراضي الزراعية، مما أدى إلى زيادة ضغوطات الفلاحين الذين اضطروا لبيع أراضيهم لتسديد الديون والضرائب. من بين الضرائب التي فرضتها السلطات: ضريبة العُشر، ضريبة الويركو، وضريبة تعداد المواشي.
بالإضافة إلى هذه الضرائب، كانت السلطات البريطانية تقوم بجمع الضرائب المتأخرة بشكل سريع بعد الحرب العالمية الثانية، كما كانت تهمل تطوير الطرق في القرى الفلسطينية أو توفير أي خدمات تساعد الفلاحين. وقد أدى ذلك إلى تدهور أوضاعهم بشكل كبير.
منح الامتيازات للمؤسسات اليهودية
استنادًا إلى صك الانتداب، قدمت سلطات الاحتلال البريطاني امتيازات كبيرة للمؤسسات اليهودية في فلسطين. من أبرز هذه الامتيازات كانت منح الشركات الصهيونية حقوقاً لتطوير الموارد الطبيعية في فلسطين. على سبيل المثال، تأسست شركة كهرباء فلسطين في عام 1923 بعد توقيع اتفاق مع بنحاس روتنبرغ، الذي حصل على امتياز لتوليد الكهرباء من مياه نهر العوجا. وفي عام 1926، تم توسيع هذا الامتياز ليشمل مياه نهر الأردن واليرموك. حصلت الشركة على تسهيلات كبيرة، بما في ذلك حق نزع ملكية الأراضي اللازمة لإقامة المشاريع الكهربائية.
من جهة أخرى، تم منح امتياز استخراج المعادن من البحر الميت لشركة البوتاس الفلسطينية التي تأسست في 1929. وقد حصلت هذه الشركة على حقوق استخراج المعادن من البحر الميت لمدة 75 عامًا، بالإضافة إلى أراضٍ واسعة خارج منطقة الامتياز التي تم منحها بشكل مجاني.
المؤسسات اليهودية وبداية إقامة كيان صهيوني داخل فلسطين
بدأت الحركة الصهيونية منذ فترة ما قبل الانتداب بتأسيس هيئات لتنظيم الهجرة وإقامة الوطن القومي اليهودي. ومع تسهيل سلطات الانتداب لهذه الجهود، تم تأسيس العديد من المؤسسات الصهيونية مثل الوكالة اليهودية والهستدروت والصندوق القومي اليهودي. وكانت الوكالة اليهودية تلعب دوراً مهماً في إدارة شؤون اليهود في فلسطين، حيث تم الاعتراف بها بموجب صك الانتداب، وسمح لها بتولي مسؤوليات تتعلق بالاستيطان والمصالح الاقتصادية لليهود في فلسطين.
وكان الهدف الأساسي من إنشاء الوكالة اليهودية هو تقديم المساعدة لتنفيذ مشروع الوطن القومي اليهودي، خاصةً من خلال جذب وتنسيق الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وبحلول عام 1929، تم توسيع نطاق عمل الوكالة وتطوير هيكلها، مما ساعد الحركة الصهيونية على تأسيس قاعدة صلبة لمشروعها داخل الأراضي الفلسطينية.
كانت الوكالة اليهودية تتعاون بشكل وثيق مع حكومة الانتداب البريطاني في الأمور التي تتعلق بتنمية الموارد الطبيعية وتعزيز الاستيطان اليهودي في الأراضي الزراعية. وفقًا للمادة الرابعة من صك الانتداب، تم الاعتراف بالوكالة كهيئة مسؤولة عن الشؤون الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة باليهود في فلسطين، وكان الهدف منها مساعدة الحكومة البريطانية في تنفيذ سياسات الاستيطان وتعزيز الهجرة اليهودية.
في عام 1923، تم اتخاذ خطوات لتوسيع دور الوكالة اليهودية من خلال دمج ممثلين عن المنظمات اليهودية الكبرى التي تعترف بمبادئ إقامة الوطن القومي اليهودي. وكان من أهم ما تم الاتفاق عليه أن تعمل الوكالة على زيادة الاستيطان اليهودي المكثف في الأراضي الزراعية، وتشجيع المهاجرين اليهود على الانخراط في الأعمال الزراعية والتجارية.
أدى هذا التنسيق بين الوكالة اليهودية والسلطات البريطانية إلى أن تصبح الوكالة اليهودية كيانًا ذا دور فاعل في تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية لليهود في فلسطين، بحيث ساهمت في تحويل هذا الكيان إلى “دولة داخل الدولة”، مما سهل تنفيذ الخطط الصهيونية على الأرض. في السنوات التي تلت، أصبح لهذه الوكالة دور محوري في تنظيم الهجرة اليهودية وتوزيع المهاجرين على المستعمرات الزراعية، الأمر الذي ساعد على تعزيز الوجود اليهودي في فلسطين وجعل من الصعب على السكان الفلسطينيين ممارسة حقوقهم على الأرض.
التضييق على الفلاحين الفلسطينيين
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، كان الفلاح الفلسطيني يواجه العديد من الأزمات الناتجة عن تبعات الحرب، وخاصة الديون المتراكمة عليه. كان معظم الفلاحين يعتمدون على قروض من البنك الزراعي العثماني، لكن مع بداية الانتداب البريطاني في فلسطين، تم إغلاق هذا البنك في 19/3/1921، مما حرم الفلاحين من الحصول على قروض بشروط ميسرة. وعلى الرغم من ذلك، استمرّت السلطات البريطانية في مطالبة الفلاحين بدفع ديون البنك الزراعي العثماني، التي كانت قد اقترضوها قبل الاحتلال البريطاني.
كما أتاح الدستور الفلسطيني للمندوب السامي البريطاني السلطة في التعامل مع الأراضي العمومية. كان المندوب السامي يملك صلاحيات واسعة تشمل إمكانية منح أو تأجير الأراضي العمومية أو التصرف فيها لصالح المشاريع الحكومية، الأمر الذي أتاح له التدخل في ملكية الأراضي لصالح سلطات الانتداب. إضافة إلى ذلك، أتاح اتفاق الصلح مع تركيا في عام 1925، حق امتلاك الأراضي والممتلكات العائدة للإدارة العثمانية من دون دفع تعويضات، مما عزز من سلطة السلطات البريطانية على الأراضي الفلسطينية.
في عام 1926، أصدرت سلطات الانتداب قانون نزع الملكية، والذي سمح بنزع أراضي الفلاحين، حيث كانت الحكومة تقوم بفرز الأراضي المشاع في القرى، ومراجعة ملكياتها، ثم تجميع الأراضي التي لا يمكن إثبات ملكيتها تحت سلطة الانتداب.
فرضت سلطات الانتداب ضرائب باهظة على الأراضي والمنتجات الزراعية، مما شكل عبئًا إضافيًا على الفلاحين الفلسطينيين. كان من أبرز هذه الضرائب: ضريبة العشر، ضريبة الويركو، وضريبة تعداد المواشي. ومع هذه الضرائب، كانت هناك إجراءات أخرى تشمل جمع الضرائب المتراكمة بسرعة بعد الحرب العالمية الثانية. كما أهملت السلطات البريطانية، بشكل متعمد، ربط القرى بالمدن عبر الطرق، ولم تقدم الدعم المطلوب للفلاحين في مجال الوعي الزراعي أو تسويق منتجاتهم.
على الرغم من تطبيق الضرائب على المزارعين اليهود والعرب، إلا أن المزارع اليهودي استفاد من الموارد المالية الكبيرة التي كانت بحوزته، ما جعله قادرًا على تحمل العبء الضريبي بشكل أسهل من المزارعين العرب، الذين كانوا يعانون من قلة الموارد.
امتيازات كبرى للمؤسسات اليهودية
استنادًا إلى صك الانتداب البريطاني، قامت سلطات الانتداب بمنح الامتيازات الكبيرة للمؤسسات الصهيونية والشركات اليهودية. أبرز هذه الامتيازات تمثل في الشركات التي تم تأسيسها للعمل في مجالات الطاقة، التعدين، والمياه.
شركة كهرباء فلسطين:
تأسست شركة كهرباء فلسطين في عام 1923 بعد التعاقد مع بنحاس روتنبرغ، الذي حصل على امتياز لاستخدام مياه حوض العوجا لتوليد الكهرباء. في عام 1926، تم توسيع هذا الامتياز ليشمل استخدام مياه نهر الأردن واليرموك. قدمت السلطات الانتدابية العديد من التسهيلات لهذه الشركة، منها قرض بقيمة 250 ألف جنيه إسترليني وإعفاء من ضرائب الأرباح لمدة عشر سنوات. ساعد هذا المشروع في جلب المزيد من المهاجرين اليهود وتشغيلهم في الأراضي الفلسطينية.
امتياز استخراج الأملاح والمعادن من البحر الميت:
في عام 1925، تم منح امتياز استخراج الأملاح والمعادن من البحر الميت لشركة يهودية، حيث كان الماء يحتوي على معادن مثل كلوريد الصوديوم والبوتاسيوم. تم تأسيس شركة للبوتاس الفلسطينية في بريطانيا في عام 1929 برأس مال 400 ألف جنيه إسترليني، ومنحت الحكومة البريطانية الشركة حق احتكار التسويق والبيع، إضافة إلى تخصيص أراضٍ واسعة لتنفيذ المشروع.
امتياز أراضي الحولة:
منطقة الحولة، التي تبلغ مساحتها 237 ألف دونم، كانت تشهد نزاعًا بين السلطات البريطانية والمزارعين العرب. في عام 1934، تم منح امتياز تجفيف أراضي الحولة لشركة تحسين الأراضي الفلسطينية. كما تم إصدار قانون حدود امتياز الحولة في 1938، والذي لم يعترف بحقوق المزارعين العرب الذين كانوا يزرعون الأراضي منذ العهد العثماني، مما أدى إلى طرد العديد من العائلات الفلسطينية من المنطقة.
المؤسسات اليهودية وبداية تأسيس “كيان داخل كيان”
بدأت الحركة الصهيونية في تأسيس المؤسسات اللازمة لتحقيق هدفها المتمثل في إقامة “الوطن القومي اليهودي”. ووجدت هذه الحركة في سياسات الانتداب البريطاني فرصًا كبيرة لتحقيق أهدافها، حيث أتاح صك الانتداب البريطاني تأسيس الوكالة اليهودية والعديد من المنظمات الصهيونية الأخرى.
أهم هذه المؤسسات كانت “الوكالة اليهودية”، التي عملت على تنظيم الهجرة اليهودية وتعزيز الاستيطان الزراعي في فلسطين. تم التوصل إلى اتفاق في عام 1923 لتوسيع دور الوكالة، بحيث أصبحت تساهم بشكل كبير في تحديد مصير الأراضي التي يتم استيطانها.
الوكالة اليهودية:
كانت الوكالة اليهودية مسؤولة عن تقديم الدعم المالي والتنسيق بين المهاجرين اليهود وحكومة الانتداب. كانت بمثابة الجسر بين الحركة الصهيونية والسلطات البريطانية، حيث تم منحها صلاحيات واسعة في تطوير الموارد الفلسطينية. كما كانت الوكالة اليهودية مسؤولة عن استيطان الأراضي الزراعية، وتعزيز وجود اليهود في مختلف أنحاء فلسطين، وذلك بدعم من الحكومة البريطانية.
المؤسسات الصهيونية وبداية تأسيس “كيان داخل كيان”
بدأت الحركة الصهيونية، قبل حتى إعلان الانتداب البريطاني على فلسطين، في تأسيس الأطر اللازمة لتحقيق الهجرة وإقامة “الوطن القومي اليهودي”. ومع مجيء الانتداب، وجدت الحركة الصهيونية في سياسات الحكومة البريطانية فرصًا لتعزيز وجودها وتحقيق أهدافها، خصوصًا بعد أن نص صك الانتداب على الاعتراف الرسمي بالوكالة اليهودية، وهو ما منحها شرعية رسمية في التعامل مع السلطات البريطانية.
كانت أبرز المؤسسات الصهيونية التي ساعدت في تأسيس “كيان داخل كيان” هي:
الوكالة اليهودية: كانت الوكالة هي الهيكل التنظيمي الذي يعنى بتنسيق الهجرة والاستيطان. ووفقًا لصك الانتداب، تم الاعتراف بالوكالة كهيئة عمومية تعمل مع الحكومة البريطانية في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين. كان الهدف من الوكالة هو تسهيل الهجرة اليهودية، خاصة تلك التي تتم في إطار حركة الاستيطان الصهيوني. وقد تم تحديد دورها في المادة الرابعة من صك الانتداب، حيث دُعيت لتشجيع الاستيطان اليهودي في الأراضي الزراعية.
الهستدروت (الاتحاد العام للعمل): وهي منظمة نقابية تأسست لدعم العمال اليهود في فلسطين، وساهمت في تشكيل قوة اقتصادية وسياسية لصالح الحركة الصهيونية. كان لهذه المنظمة دور كبير في تعزيز استيطان اليهود من خلال توفير فرص عمل لهم في مختلف المجالات.
الصندوق القومي اليهودي (كيرن كييمت): هذا الصندوق كان يعمل على شراء الأراضي في فلسطين لصالح اليهود. وقد تم تأسيسه لتمويل شراء الأراضي وتطويرها للاستخدام الزراعي، وهو ما ساعد في تعزيز الاستيطان اليهودي.
الصندوق التأسيسي (كيرن هايسود): كان هذا الصندوق يهدف إلى جمع الأموال من اليهود في أنحاء العالم لدعم المشاريع الصهيونية في فلسطين، بما في ذلك الهجرة والاستيطان والبنية التحتية.
وقد ساهمت هذه المؤسسات في بناء بنية تحتية اقتصادية متكاملة داخل فلسطين، بل وبموافقة سلطات الانتداب البريطاني، مما مهد الطريق لتأسيس كيان صهيوني داخل فلسطين.
الوكالة اليهودية: تهيئة الظروف لإنشاء كيان صهيوني
تنص المادة الرابعة من صك الانتداب على أنه يجب على حكومة فلسطين الاعتراف بالوكالة اليهودية كهيئة عمومية تتعاون مع الحكومة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى تعزيز بناء الوطن القومي اليهودي. تم تأسيس الوكالة اليهودية لتكون بمثابة الجهاز الذي ينسق بين الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية في تنفيذ مشاريع استيطانية وإدارية في فلسطين.
في عام 1923، تم تشكيل مجلس للوكالة اليهودية من لجنة العمل الصهيونية، التي كانت قد حصلت على حقوق الوكالة بموجب المادة الرابعة من صك الانتداب، إلى جانب ممثلين عن المنظمات اليهودية الكبرى. وقد بدأ العمل في مجال إعداد الأرضية لإنشاء وطن قومي لليهود، من خلال جلب المهاجرين اليهود إلى فلسطين.
إنشاء الهيكل المؤسساتي الصهيوني:
بحلول عام 1929، تم توسيع دور الوكالة اليهودية بشكل أكبر لتشمل كافة الأنشطة المتعلقة بتنظيم الهجرة اليهودية، وتقوية الاستيطان الزراعي في الأراضي الفلسطينية. وفي نفس العام، اندلعت صدامات داخل فلسطين نتيجة الصراع العربي-اليهودي، إلا أن هذا لم يوقف تقدم المشاريع الصهيونية، بل على العكس، عزز من الحاجة لتوسيع سيطرة المؤسسات الصهيونية داخل الأراضي الفلسطينية.
في هذا السياق، أعلن المكتب المركزي للمنظمة الصهيونية العالمية عن تحديد الحادي عشر من أغسطس 1929 كموعد لعقد الجلسة الافتتاحية لمجلس الوكالة اليهودية في زيوريخ. وأوضح حاييم وايزمان في بيان له أنه، من خلال المفاوضات مع الأطراف المعنية، توصل إلى صياغة اتفاق مع غير الصهيونيين، والذي تضمن عدة نقاط أساسية، مثل: تشجيع الهجرة اليهودية، نشر اللغة العبرية والثقافة اليهودية، واعتبار الأراضي ملكية أبدية للشعب اليهودي، بالإضافة إلى توظيف العمال اليهود تحت إشراف الوكالة. كما أشار إلى ثلاثة جوانب رئيسية يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند إعداد البرنامج العام للوكالة الموسعة، وهي: رعاية المستوطنات والمستعمرات السابقة، تعزيز القدرة الاقتصادية للعمال اليهود، وضمان مساحات من الأراضي تساهم في تقدم حركة الاستيطان دون عقبات.
وفي 11 أغسطس 1929، تم عقد الاجتماع الموسع للوكالة اليهودية، وفي 14 من نفس الشهر تم توقيع الاتفاق بين قيادة الحركة الصهيونية وممثلي الوكالة اليهودية، رغم وجود بعض المعارضة داخل الحركة الصهيونية.
كانت الحركة الصهيونية تسعى من خلال استقطاب غير الصهيونيين، لا سيما الرأسماليين، إلى تعزيز المشروع الاستيطاني في فلسطين. كما أن تشكيل الوكالة اليهودية في شكلها الموسع كان يعكس الارتباط العضوي بين الحركة الصهيونية والرأسماليين الذين تربطهم مصالح حيوية بالنظام البريطاني في فلسطين. وقد استغلت المنظمة الصهيونية الأزمة الاقتصادية العالمية لتسريع مشروع إقامة الوطن اليهودي في فلسطين، وحشدت يهود العالم، وخاصة الأغنياء، لدعم الاستيطان الصهيوني وتعزيز سيطرته الاقتصادية.
كما عملت المنظمة على استنفار اليهود للهجرة إلى فلسطين خلال عام 1929، وهو العام الذي شهد هبة في فلسطين ضد الاستعمار والصهيونية. وكانت الهجرة الخامسة التي استمرت حتى 1931، هجرة مدنية من الفئات المتوسطة والصغيرة التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية في البلدان الرأسمالية، على أمل استعادة وضعها الاقتصادي في فلسطين.
الهستدروت
تأسس الهستدروت كاتحاد عمالي حديث ضمن سياق بناء أسس الكيان الصهيوني والدولة العبرية. لم يكن هدفه مقتصرًا على التنظيم النقابي، بل كان يسعى إلى بناء الطبقة العاملة وتنظيمها في إطار اجتماعي وسياسي جديد. وكان اهتمامه الأول يتمثل في توفير الظروف المالية لإنشاء مشروعه العمالي، حيث أسس في عام 1921 بنك العمال (هبوعليم) الذي أصبح لاحقًا ذراعه المالي وأدى دورًا مهمًا في تنظيم التمويل والاستثمار.
على مدار فترة قصيرة، نما الهستدروت بسرعة، إذ زاد عدد أعضائه من 4433 في عام 1920 إلى 9000 في عام 1929، ليصبح من خلال أنشطته اتحادًا يجمع بين العمال وأصحاب الأعمال. كما أسس عددًا من المؤسسات الاقتصادية مثل شركة نير، التي تقدم سلفيات للمستوطنين الزراعيين، وشركة تنوفا للتسويق الزراعي، ومؤسسة التموين المركزي التي تزود التعاونيات الزراعية بالآلات الحديثة.
كما أنشأ الهستدروت عدة مؤسسات أخرى مثل صندوق المرضى وصندوق البطالة، التي كانت تدير مستشفيات وصناديق للمساعدات المالية، وكان لها دور كبير في تنظيم العمل النقابي والتعاون بين العمال.
أما على الصعيد السياسي، فقد شهدت أنشطة الهستدروت محاولات لتقارب العمال العرب واليهود في إطار النضال المشترك. ففي عام 1924، تم تأسيس نقابة عمال القطارات التي ضمت 300 عامل من العرب واليهود، وكانت أول نقابة في فلسطين معترف بها من قبل إدارة القطارات. ومع ذلك، بدأ التعاون العمالي العربي-اليهودي يتقلص تدريجيًا بعد هبة 1929، حيث ظهرت سياسة “العمل العبري” التي قادتها الحركة الصهيونية بهدف استبعاد العمال العرب من المؤسسات اليهودية.
ومنذ عام 1929، أصبحت سياسة العمل العبري تشمل جميع القطاعات الاقتصادية، سواء الزراعية أو الصناعية. وفي عام 1933، ألقى دافيد بن غوريون، السكرتير العام للهستدروت، خطابًا دعا فيه إلى ضرورة تهويد العمل ومنع تشغيل العمال العرب في المشاريع اليهودية.
لعب الهستدروت دورًا كبيرًا في دعم المشاريع الصهيونية من خلال تأسيس اتحادات نقابية متعددة وتوفير الدعم المالي والسياسي للمستقبل الصهيوني في فلسطين.
لقد شكل الهستدروت حاضنة رئيسية للاتحادات النقابية الصهيونية، حيث تمكن من إقامة عدة اتحادات تابعة له، مثل: اتحاد العمال الزراعيين، اتحاد الكتاب، اتحاد العاملين في البناء والمقاولات، اتحاد العاملين في الصناعة العامة، اتحاد عمال المعادن، اتحاد المدرسين، واتحاد عمال قطاع النقل، بالإضافة إلى اتحادات أخرى في مجالات الطباعة والصحة والنسيج، وكذلك القطاع الصناعي. وقد كان الهستدروت يدير هذه الاتحادات وفقًا لسياساته الخاصة، التي كانت تسعى إلى تعزيز الوضع الصهيوني في فلسطين وتهويد الاقتصاد الوطني في كافة المجالات.
من خلال هذه المؤسسات النقابية، سعت الحركة الصهيونية إلى تعزيز قوتها الاقتصادية والسياسية في فلسطين، مما جعل الهستدروت أكثر من مجرد اتحاد نقابي بل أداة أساسية لتحقيق أهداف المشروع الصهيوني في فلسطين. وفي هذا السياق، كانت سياسة “العمل العبري” هي جوهر هذه الأنشطة، حيث عملت الحركة الصهيونية على تقييد العمل للعرب في المؤسسات اليهودية واستبعادهم من سوق العمل في المناطق التي تسيطر عليها الوكالة اليهودية.
في السنوات التالية، ومع تزايد دعم الهستدروت للمؤسسات الصهيونية، أصبح جزءًا أساسيًا في شبكة المصالح الصهيونية، التي تشمل الاستيطان، الاقتصاد، والسياسة. وقد واصل الهستدروت لعب دور محوري في تأسيس وتوسيع الكيان الصهيوني من خلال تعزيز الطبقة العاملة اليهودية في فلسطين وخلق بنية تحتية اقتصادية تدعم حركة الاستيطان والهجرة اليهودية.
هذه الأنشطة، التي بدأت في العشرينيات من القرن الماضي، استمرت في التأثير على تطور الحركة الصهيونية والمشروع الاستيطاني في فلسطين، حتى أصبحت الهستدروت إحدى أهم القوى العاملة على استدامة الكيان الصهيوني في المنطقة.
ومع مرور الوقت، أصبح الهستدروت قوة نقابية ضخمة لها تأثير سياسي واقتصادي في فلسطين، حيث لعب دورًا محوريًا في تعزيز الاستيطان الصهيوني والاقتصاد اليهودي. ومع تزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، أضحى الهستدروت بمثابة عمود فقري للبنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية التي دعمت المشروع الصهيوني. وكان هذا الأمر أكثر وضوحًا في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، حيث كانت الهستدروت تشكل جزءًا من شبكة المؤسسات التي ساعدت على بناء الدولة العبرية في المستقبل.
كما أن الهستدروت كان له دور بارز في عمليات تهويد الاقتصاد، حيث سعت الحركة الصهيونية إلى استبعاد العرب من سوق العمل في المشاريع التي كانت تمولها، وهو ما أصبح سياسة رسمية بعد عام 1929 تحت مسمى “العمل العبري”. وتتمثل هذه السياسة في استبعاد العمال العرب من العمل في المشاريع الاقتصادية التي يديرها اليهود أو الشركات اليهودية، في محاولة لتوفير فرص العمل لليهود فقط.
فيما بعد، أصبح الهستدروت يشرف على العديد من الصناعات والمشاريع الاقتصادية، بما في ذلك شركات البناء، الزراعة، الصناعة، والنقل. وفي عام 1933، كانت الهيئة العليا للهستدروت تحت إشراف قادتها مثل دافيد بن غوريون، قد اتخذت خطوات جادة في تعزيز “العمل العبري”، حيث كان هدفهم منع تشغيل العمال العرب في المؤسسات اليهودية بشكل تدريجي.
توازياً مع هذا التحرك السياسي والاقتصادي، استمرت الهستدروت في بناء نظام اجتماعي متكامل يشمل التأمين الصحي، التعليم، والتقاعد، مما جعلها منظمة ذات تأثير بعيد المدى ليس فقط على مستوى الاقتصاد بل على مستوى تشكيل المجتمع الصهيوني في فلسطين.
في النهاية، أصبحت الهستدروت جزءًا أساسيًا من الهياكل التي قامت عليها الدولة الصهيونية، حيث لعبت دورًا محوريًا في تأسيس قواعد اقتصادية واجتماعية تضمن استمرارية المشروع الصهيوني في فلسطين وتهيئة الظروف المناسبة لإنشاء الدولة العبرية.
كما أن الهستدروت لعبت دوراً مهماً في التقارب بين العمال العرب واليهود لفترة محدودة، حيث تأسست نقابات مشتركة مثل نقابة عمال القطارات عام 1924 التي ضمت عمالاً من كلا الجانبين. إلا أن هذا التعاون سرعان ما تقلص بشكل ملحوظ بعد أحداث عام 1929 في فلسطين، حيث تراجع التعاون بين العمال العرب واليهود بسبب التأثيرات السلبية للهبة الفلسطينية وتوجهات التيارات الصهيونية داخل النقابات العمالية.
وقد سعت هذه التيارات إلى “تهويد العمل”، بمعنى استبعاد العرب من العمل في المؤسسات اليهودية ومنعهم من المشاركة في مشاريع الاستيطان الصهيوني. بدأت سياسة العمل العبري تأخذ طابعًا رسميًا وتوسعت لتشمل جميع المجالات الاقتصادية، من الزراعة إلى الصناعة. وفي عام 1933، دعا دافيد بن غوريون، السكرتير العام للهستدروت في ذلك الوقت، إلى ضرورة منع تشغيل العمال العرب في المشاريع اليهودية في خطاب ألقاه في معهد “التخنيون” بحيفا.
ومن هنا، تطورت الهستدروت لتصبح أكثر من مجرد منظمة نقابية، بل أداة أساسية في تنفيذ السياسات الصهيونية. قامت بإنشاء العديد من الاتحادات التابعة، مثل اتحاد العمال الزراعيين، اتحاد العاملين في الصناعة، واتحاد العمال في القطاعات المختلفة، مما ساهم في بناء إطار عمل متكامل يربط السياسة بالاقتصاد من خلال الهيكل التنظيمي للهستدروت. هذا النظام ساعد على استقطاب العمال اليهود إلى صفوف الحركة الصهيونية وضمن لهم فرصة العمل والتوظيف ضمن مشاريع الاستيطان الصهيوني.
وهكذا، أصبح الهستدروت أحد الأعمدة الأساسية التي ساعدت في بناء الدولة العبرية، حيث لم يقتصر تأثيره على تنظيم الطبقة العاملة اليهودية فقط، بل امتد ليشمل التأثير على الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام. وقد أصبح جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية الحركة الصهيونية لبناء مجتمع يهودي في فلسطين مع التركيز على تهويد الاقتصاد واستبعاد العرب من سوق العمل.
استمرت الهستدروت في تعزيز قدرتها التنظيمية والاقتصادية، حيث ضمت العديد من القطاعات الحيوية والاقتصادية داخل المجتمع اليهودي في فلسطين. فقد نجحت في إنشاء شبكات اقتصادية مختلفة مثل الشركات والمؤسسات التي تعمل في القطاع الزراعي والصناعي، بما في ذلك شركات تسويق المحاصيل مثل “تنوفا” والشركات الهندسية مثل “شكون” المتخصصة في بناء المنازل العمالية.
كما أن الهستدروت كان لها دور محوري في تنظيم القطاع الصحي من خلال صندوق المرضى (كوبات هاحوليم)، الذي قدم خدمات طبية مجانية لآلاف العمال اليهود، وأصبح واحدًا من أبرز المؤسسات في تقديم الرعاية الصحية. وعلى الصعيد الاقتصادي، أطلقت الهستدروت العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تهدف إلى تطوير الاقتصاد المحلي اليهودي من خلال إتاحة فرص العمل للعمال اليهود فقط.
وكان الهستدروت جزءاً من الهيكل التنظيمي الصهيوني الذي يهدف إلى استدامة الاستيطان اليهودي في فلسطين، حيث كان يتحكم في معظم القطاعات الاقتصادية الرئيسية ويقوم بتوظيف العمال اليهود بشكل حصري. ومع تصاعد التوترات بين اليهود والعرب في فلسطين، أصبح الهستدروت أداة لتطبيق السياسات الصهيونية التي تستبعد العرب من المشاركة في الاقتصاد.
مع مرور الوقت، أظهر الهستدروت فاعليته الكبيرة في خدمة مصالح الحركة الصهيونية. وتوسعت سياساته لتشمل الجوانب الاجتماعية والسياسية، حيث كان يعدّ بمثابة “دولة داخل الدولة”، وهي حالة توازت مع تطور المؤسسات اليهودية الأخرى في فلسطين.
إجمالاً، كانت الهستدروت نموذجاً مهماً على مستوى التنظيم العمالي في سياق الحركة الصهيونية، ونجحت في بناء بنية تحتية اقتصادية واجتماعية مستدامة لدعم المشروع الصهيوني في فلسطين، حيث كانت تربط بين مختلف الأنشطة الاقتصادية والعمل السياسي، بما يضمن استمرارية الهيمنة اليهودية في المستقبل.
الجمعية اليهودية للاستعمار في فلسطين: تأسست هذه الجمعية في عام 1883 على يد الثري اليهودي إدموند روتشيلد، وهدفت إلى تقديم الدعم للمهاجرين اليهود إلى فلسطين، والتسهيل عليهم في امتلاك الأراضي. كانت الجمعية من أوائل الخطوات الصهيونية لتسهيل الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية.
صندوق الائتمان اليهودي: تأسس في عام 1899 بقرار من المنظمة الصهيونية العالمية. ومنذ 1903، أسس الصندوق شركة فرعية في فلسطين تحت اسم “بنك أنغلو فلسطين”. كان البنك مخصصًا لتقديم القروض للمؤسسات اليهودية في فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني.
الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كايمت): تأسس في 1907 بمبادرة من المنظمة الصهيونية العالمية في بريطانيا. في عام 1922، تم تغيير اسمه إلى الكيرن كايمت. كان له دور كبير في شراء الأراضي، استقبال المهاجرين اليهود، وتوفير الخدمات الأساسية لهم.
الصندوق الفلسطيني التأسيسي: تأسس في عام 1920 بقرار من المؤتمر الصهيوني وكان يهدف إلى المساعدة في استيطان المهاجرين اليهود في فلسطين. وقد لعب دورًا في دعم الصناعات والتعليم والمشاريع العامة.
الاستيطان اليهودي والرأسمال اليهودي في فلسطين (1932-1939): شهدت هذه الفترة هجرة يهودية مكثفة إلى فلسطين، خاصة بعد صعود النازية في ألمانيا. أدت هذه الهجرة إلى تدفق رأس المال إلى فلسطين، حيث كانت الحكومة البريطانية تسهل عمليات نقل الأموال والوجود اليهودي. كما شجعت الهجرة السياحية على إدخال المزيد من المهاجرين.
خلال هذه الفترة، أظهرت الإحصائيات أن عدد المهاجرين اليهود الذين يملكون رؤوس أموال بلغ عددًا ملحوظًا بين 1933 و1935، مما ساعد في تعزيز الاقتصاد الرأسمالي اليهودي في فلسطين وزيادة المنافسة الاقتصادية مع الوجود الفلسطيني.
شراء الأراضي: واصلت الحركة الصهيونية شراء الأراضي الفلسطينية، مما أدى إلى تهجير العديد من الفلاحين العرب إلى المدن. وزادت نسبة الأراضي التي اشتراها اليهود من 62.7% من ملاكين مقيمين في فلسطين بين 1933-1936.
الترحيل القسري للسكان العرب: بدأت الحركة الصهيونية في العمل على دراسة مشاريع ترحيل العرب من المناطق المخصصة لإقامة الدولة اليهودية. في إطار هذه السياسات، اقترحت لجنة بيل في تقريرها عام 1937 ترحيل 225 ألف عربي من المنطقة المخصصة للدولة اليهودية.
ازدياد الهجرة اليهودية وتأثيرها على الاقتصاد الفلسطيني: زاد عدد اليهود في المدن الكبرى مثل القدس ويافا وحيفا بشكل ملحوظ في الفترة بين 1922 و1931. كما استمرت أعداد اليهود في الزيادة، وكان لهذا التأثير الكبير في السيطرة على الأراضي والمدن الفلسطينية.
توزيع الأراضي: خلال السنوات 1882-1939، زاد معدل شراء الأراضي من قبل الصهاينة، مما أدى إلى تحول الأراضي إلى سلعة، ودفع الفلسطينيين العرب إلى المدن بسبب فقدانهم لأراضيهم.
زيادة الاستيطان الصهيوني بين 1932-1935: خلال هذه الفترة، شهد الاستيطان الصهيوني في فلسطين انتعاشًا ملحوظًا، حيث كان تدفق الهجرة اليهودية إلى فلسطين في أوج ذروته. كما ذكرت جريدة “فلسطين”، زادت “أمواج الهجرة اليهودية” وأصبح للمنظمات الصهيونية دور كبير في تسهيل انتقال الأموال وتوطين اليهود في فلسطين. وكان لهذا الانتعاش تأثير كبير على الاقتصاد الفلسطيني والمجتمع العربي، خاصة من حيث الاستحواذ على الأراضي والموارد.
إحصاءات الهجرة اليهودية إلى فلسطين: خلال الفترة بين 1932 و1935، بلغ مجموع الأموال التي أدخلها اليهود إلى فلسطين نحو 31 مليون جنيه فلسطيني، مما أسهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد اليهودي والهيمنة على مفاصل الاقتصاد المحلي. وازدادت أعداد المهاجرين بشكل ملحوظ، مع وصول العديد من أصحاب رؤوس الأموال، وهو ما ساعد في تعزيز الاستيطان الرأسمالي اليهودي في فلسطين.
توزيع السكان اليهود في فلسطين عام 1936: بحسب الإحصاءات في ذلك العام، كانت هناك زيادة كبيرة في عدد اليهود في المدن الكبرى مثل القدس ويافا وحيفا. وشهدت هذه المدن نمواً كبيراً في أعداد اليهود، بينما كانت معظم المستوطنات اليهودية تتركز في قضاء يافا، حيفا، وطبريا.
الانتشار الاستيطاني في مناطق أخرى: خارج المدن الكبرى، كان هناك 46,963 يهوديًا يقيمون في 101 مستوطنة عبر 11 قضاء من فلسطين. لم يكن هناك أي مستوطنات يهودية في بعض المناطق مثل عكا، جنين، نابلس، بيت لحم، والخليل.
التأثير على المجتمع الفلسطيني: تسبب الاستيطان اليهودي في تهجير العديد من الفلسطينيين إلى المدن بسبب فقدانهم للأراضي التي بيعت أو صودرت لصالح المستوطنات اليهودية. أدت عمليات شراء الأراضي هذه إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية بين الفلاحين الفلسطينيين الذين فقدوا مصادر رزقهم.
الخلاصة: شهدت فلسطين في هذه الفترة (1932-1939) تغيرات كبيرة في البنية الاجتماعية والاقتصادية نتيجة للزيادة السريعة في الهجرة اليهودية، وتوسع الاستيطان اليهودي. استمرت الحركة الصهيونية في تعزيز قوتها الاقتصادية والاجتماعية عبر شراء الأراضي والموارد المالية، مما شكل تهديدًا خطيرًا للمجتمع الفلسطيني.
مشروع التقسيم وترحيل السكان العرب: خلال الفترة ما بين 1932 و1935، استمرت الحركة الصهيونية في إعداد مشاريع ترحيل العرب من الأراضي التي كانت مخصصة للدولة اليهودية في حال تم تقسيم فلسطين. في عام 1936، أُعيد طرح مشروع ترحيل السكان العرب بشكل جاد، حيث كانت الوكالة اليهودية قد قدَّمت اقتراحًا للّجنة البريطانية (لجنة بيل) من أجل تبني فكرة ترحيل العرب قسريًا. ووفقًا لذلك، كانت الخطة تقترح نقل العرب من المنطقة المخصصة للدولة اليهودية إلى مناطق أخرى، مثل شرق الأردن.
تقرير لجنة بيل أشار إلى أن السكان العرب في المنطقة المقترحة للدولة اليهودية كانوا يقدرون بحوالي 225 ألف نسمة، في مقابل 1250 يهوديًا فقط ينبغي ترحيلهم إلى الدولة العربية. وجاءت هذه الفكرة بالتزامن مع دراسة الصهيونية لكيفية مواجهة مشكلة السكان العرب وضمان قيام دولة يهودية نقية من الأجانب.
وكان لهذا الاقتراح تأثير كبير على قادة الحركة الصهيونية، خاصة بن غوريون، الذي عرض بدوره على المندوب السامي البريطاني خطة لترحيل الفلاحين العرب إلى الأراضي التي يتم شراءها لهم في شرق الأردن. وقد رحب المندوب السامي بالفكرة، ولكن لم يُنفذ منها شيء بشكل رسمي في ذلك الوقت.
الاستيطان وتوسيع المستوطنات اليهودية: استمر الاستيطان اليهودي في الانتشار، خاصة في المدن الكبرى والريفية. شهدت المدن مثل القدس ويافا وحيفا زيادة سكانية ملحوظة لليهود، وهو ما ساعدهم على الهيمنة على الحياة الاقتصادية والسياسية فيها. في المقابل، كان هناك توتر متزايد بين السكان العرب بسبب توسع المستوطنات اليهودية وشراء الأراضي، مما أدى إلى نزوح العديد من الفلاحين العرب إلى المدن. هذا التوسع اليهودي في المدن الكبرى كان له تأثير كبير في السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني.
الهجرة اليهودية وتأثيرها على الاقتصاد الفلسطيني: استمر تدفق رؤوس الأموال اليهودية إلى فلسطين بين عامي 1932 و1935، حيث جلب المهاجرون اليهود معهم استثمارات وأموالاً كبيرة. وهذا التدفق الرأسمالي ساعد في تعزيز وجود القطاع الصناعي والاقتصادي اليهودي في فلسطين، وأدى إلى مزيد من المنافسة مع الاقتصاد الفلسطيني المحلي.
النتائج السلبية للاستيطان: من بين أبرز نتائج الاستيطان اليهودي في هذه الفترة، هو تحول الأراضي إلى سلعة تجارية بيد المؤسسات الصهيونية، مما أدى إلى تفاقم الفقر لدى الفلاحين العرب. كما ساهمت زيادة الهجرة والشراء الممنهج للأراضي في تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع العربي.
الاستنتاجات: بين 1932 و1935، كان للاستيطان اليهودي في فلسطين تأثير كبير على المجتمع الفلسطيني، سواء من حيث التوسع الجغرافي للمستوطنات أو من حيث الهجرة التي جلبت معها رؤوس الأموال، التي ساهمت في تمويل المشاريع الصهيونية. وقد شهدت تلك الفترة تغييرات جذرية في البنية الاقتصادية والسياسية لفلسطين، حيث كانت الحركة الصهيونية تواصل جهودها لتهيئة الأرض لإقامة دولة يهودية، بينما كان الفلسطينيون يعانون من ضغوط شديدة نتيجة فقدان الأراضي والموارد.
المستوطنات اليهودية في فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني:
مع نهاية السنوات الأربع (1932-1935)، كان قد تم إقامة 53 مستوطنة جديدة، وهو عدد مقابل لـ 101 مستوطنة تم إقامتها خلال السنوات الخمسين (1882-1931). وبذلك وصل عدد المستوطنات في فلسطين، مع نهاية سنة 1935 إلى 154 مستوطنة، شكلت، بسكانها وأراضيها، أساساً مادياً لتجمع اليهود في فلسطين.
ومع ازدياد عدد المستوطنات، ارتفعت أيضاً مساحة الأراضي الزراعية التي كان اليهود يستغلونها، خاصة الأراضي المزروعة بأشجار الحمضيات، حيث أصبحت ثمارها سلعة رئيسية. في عام 1936، كانت المساحة التي يمتلكها اليهود من الأراضي الزراعية حوالي 12 ألف دونم، مقابل 106.4 ألف دونم كانت بحوزة العرب.
تزايد أعداد المهاجرين اليهود:
شهدت أعداد المهاجرين قفزات نوعية خلال تلك الفترة. ففي عام 1922 كان عدد اليهود في فلسطين يبلغ 93,794، ثم ارتفع إلى 164,796 في عام 1931، وصولاً إلى 445,457 في عام 1939.
ترافق هذا الارتفاع مع زيادة في شراء الأراضي وزراعتها، حيث اتسعت مساحة الأراضي المزروعة بالحمضيات، حيث كانت في عام 1922 تقدر بحوالي 22,000 دونم تخص العرب و10,000 دونم تخص اليهود. بينما في عام 1935 بلغت المساحة المزروعة بالحمضيات حوالي 278,000 دونم، منها 143,000 دونم تخص اليهود و135,000 دونم تخص العرب. بلغ ما دفعه اليهود من ثمن الأراضي الفلسطينية المشتراة في تلك الفترة حوالي 1.7 مليون جنيه فلسطيني مقابل 72,905 دونم.
توزيع مصادر شراء الأراضي:
مما يزيد من وضوح الصورة عن عملية استملاك الأراضي، نعرض الجدول التالي الذي يوضح مصدر شراء الأراضي بين عامي 1920 و1936:
جدول رقم (6): مصدر شراء الأراضي
مصدر شراء الأراضي | إجمالي الأراضي المشتراة (دونم) | النسبة المئوية |
---|
كبار الملاك الغائبين | 358.974 | 52.6% |
كبار الملاك المقيمين | 167.802 | 24.6% |
الحكومة والكنائس والشركات الأجنبية | 91.001 | 13.4% |
الفلاحون | 64.201 | 9.4% |
إجمالي الأراضي المشتراة | 681.978 | 100.00% |
سياسات الاستيطان اليهودي:
كانت السياسات الاستيطانية التي وضعتها الوكالة اليهودية خلال الفترة من 1920 إلى 1936 تعتمد على عدة محاور رئيسية. تم التركيز على شراء الأراضي الكبيرة، خصوصاً تلك التي كانت مملوكة من كبار الملاك، بغية الاستفادة منها في الزراعة والصناعة وتطوير المدن. وكانت الوكالة اليهودية تسعى إلى توسعة المستعمرات اليهودية بشكل مستمر.
التمدد الاستيطاني خلال الثورة الفلسطينية الكبرى:
في أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، تزايد عدد المستوطنات بشكل ملحوظ، إذ أقيمت 50 مستوطنة جديدة، وكان لهذه المستوطنات خصائص مميزة، مثل الأسلاك الشائكة التي كانت تحيط بها، فضلاً عن البرج المراقب الذي كان يتوسطها. أصبح للمستعمرات اليهودية كيان خاص من حيث الأرض والسكان والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والسياسية.
مستعمرات الكيبوتز والموشاف:
خلال هذه الفترة، توسع تأسيس المستوطنات الجماعية، مثل الكيبوتزات والموشافات. كان الهدف من إقامة الكيبوتزات اقتصاديًا توفير المسكن والطعام للمهاجرين، وعسكريًا فرض السيطرة على المناطق العربية وعزلها. بينما كانت مستوطنات الموشاف تعتمد على الطابع التعاوني العائلي.
التوزيع الجغرافي للمستوطنات:
التوزيع الجغرافي للمستوطنات اليهودية بين عامي 1936 و1939 يظهر بوضوح تركز النشاط الاستيطاني في بعض المناطق بشكل أكبر، كما يظهر في الجدول التالي:
جدول رقم (7): التوزيع الجغرافي للمستوطنات اليهودية 1936-1939
المنطقة | عدد المستوطنات لعام 1936 | عدد المستوطنات لعام 1939 |
---|
السهل الساحلي | 163 | 186 |
مرج بن عامر وغور الأردن | 18 | 30 |
الجليل الأعلى والجليل الأسفل | 13 | 26 |
المرتفعات الجبلية | 8 | 10 |
المجموع | 202 | 252 |
نتائج الهجرة والتوسع الاستيطاني:
أدت موجات الهجرة المتتالية من عام 1931 إلى 1936 إلى تغييرات كبيرة في البنية السكانية في فلسطين، حيث أصبح اليهود يشكلون نحو ثلث السكان. كذلك، طرأ تغير كبير على ملكية الأراضي الزراعية لصالح الاستيطان اليهودي.
أسهم رأس المال اليهودي الذي تدفق على فلسطين منذ فرض الانتداب البريطاني في 1922، في تشكيل صناعة يهودية قوية ساهمت في تطوير الاقتصاد اليهودي، بينما ظل الاقتصاد الفلسطيني الزراعي يعاني من تراكم بطيء في رأس المال.
استنتاجات أساسية:
الهجرة والاستيطان: الحركة الصهيونية اعتمدت بشكل كبير على الهجرة واستيطان الأراضي، وقد شكّل الاستيطان أساس بناء الفكر الصهيوني.
دور الانتداب البريطاني: ساهم الانتداب البريطاني في تسهيل الاستيطان اليهودي عبر قوانين تشجع الهجرة وبيع الأراضي.
البنية الاقتصادية المزدوجة: شكل الاقتصاد اليهودي قوة كبيرة مقابل الاقتصاد العربي الزراعي الأضعف.
التوسع الاستيطاني: كانت المستوطنات، سواء كانت زراعية أو مدنية، موجهة لتضييق الخناق على السكان العرب وطردهم.
الصراع الفلسطيني اليهودي: مع تزايد النشاط الاستيطاني، ازداد الصراع بين الفلسطينيين واليهود، مما أدى إلى مقاومة فلسطينية شديدة ضد التوسع اليهودي.